[size=21]أيها الملك أنا أراك عريانا ... !ـ
كتب الكاتب الدنماركي كريستان أندرسون قصة غاية في الإبداع ، مفادها بتصرف ، أن أحد الملوك ، كان مولعا بارتداء أفخر الثياب والموضة والتزين لدرجة الهوس ، فسمع بذلك محتالان محترفان ، فقررا الاستفادة من ذلك ، فحضرا إلى الملك وقالا له نحن على استعداد لصنع ثوب لك أيها الملك لم يصنع قبله قط ، ولن يصنع بعده قط ، والسر فيه أنه لا يراه إلا الحكيم ، ويعجز عن رؤيته الأحمق ، ويبصره من يستحق منصبه ، ولا يراه الشخص الذي لا يصلح أن يكون في منصبه !
فصدق الملك كلامهما ، وأمر بإحضار الحرير والخيوط والآلات و كل لوازم الصناعة ، وأمر لهما بقصر يمكثان فيه ، وبدآ في العمل الوهمي ، وهم في الحقيقة لا يعملون شيئا ، واحتفظا بالحرير والخيوط في مكان آمن ، وظلا مدة ليست بالقصيرة ،
وأراد الملك التأكد من سير العمل ، فقرر إرسال أقرب الناس إليه ، فأرسل كبير وزرائه ، فذهب إلى المكان ، ورأى عجبا ، الصانعان منهمكان في العمل على الآلة الفارغة من الحرير والخيط ، فتعجب ! ، ماذا تفعلان ؟
فقالا له ما رأيك يا سيدي في روعة الألوان وتناسقها ؟
فأطرق رأسه ، وهولا يرى شيئا ، ولكنه تذكر السر ، لا يراه إلا الحكيم الذي يستحق منصبه ، وأنا كبير وزراء الملك ، فلو قلت أنني لا أرى شيئا ، لفقدت مكانتي ومنصبي !ـ
قال : الثوب مبهر ورائع سأبلغ الملك بذلك ، وعاد إلى الملك ، ووصف له روعة وجمال وبهاء وندرة الثوب ، وأمر الملك بإرسال المزيد من الحرير والخيوط والأموال إلى النساجين المحتالين ، وبعد فترة أراد الملك التأكد من سير العمل فهو في لهفة وشوق لارتداء الثوب المعجزة ،
فمن يرسل ؟
فأرسل قائد الجيش صمام الأمن والأمان ، فذهب القائد المغوار ، وأيضا لم يرى سوى انهماك النساجين في العمل الوهمي ، فقالا له ما رأيك ؟
لقد أُعجب به قبلك كبير الوزراء ،
فقال نفسه وهل أن أقل حكمة من كبير الوزراء ، فزاد في الوصف ، وأجزل الشكر ، وعاد إلى الملك يبشره بقرب الانتهاء من الثوب الرائع .
وجاء اليوم المنتظر ، حيث دخل النساجان وهمل يحملان الهواء على أيديهما ، فتعجب الملك ، ولكنه تذكر السر ، لا يراه إلا كل حكيم ، والذي يستحق أن يكون في مكانه ، وفعلا خلع الملك ثيابه ، وارتدى الهواء ....!ـ
وبالطبع كان الجميع في انتظار رؤية الملك بالثياب المبهرة ، وخرج الملك عاريا على الجميع ، وطاف الموكب كل أرجا المدينة ، والكل يقول في نفسه : الملك عار ، ولكنه يسكت ويتذكر السر ، لا يراه إلا الحكيم الذي يستحق منصبه ، والذي لا يراه ، فهو لا يستحق منصبه ، ولم يجرؤ أحد على قول الحقيقة .-
حتى قال طفل صغير :
أيها الملك : إني أراك عاريا .....ـ
حينها تشجع البعض ، وذكروا الحقيقة للملك ، فأفاق الملك من وهمه ، وارتدى ملابسه .......ـ
*******
فهل أنا وأنت من الحكماء في رؤية الأمور ، أم نحن مثل الطفل البرئ ؟
وهل نحتاج إلى براءة طفل كي يقول لنا إن الشمس ساطعة لأننا في ظهر يوم من أيام شهر أغسطس ؟
هل نحتاج إلى براءة طفل ، حتى يقول لنا الحقيقة التي نقر بها جميعا ونراها حق اليقين ؟
وهل لابد أن يقول لنا الطفل البرئ :
إن الرشوة ، و الوصول على أكتاف الآخرين والغش ، والسرقة ، وأكل المال العام ، والتزوير ، والنفاق ، والواسطة ، و الكذب ، والربا ، وشرب الخمر والزنا وشهادة الزور ، وأكل مال اليتامى , والتكاسل عن فرائض الدين ، وعقوق الوالدين ، وإهمال الزوجة والأولاد ، والغيبة والنميمة ، وأن ، وأن .............ـ
أمور كثيرة نوهم أنفسنا أننا نراها كما رآها حكماء الملك ، إلى متى سنظل نرى بعيون الآخرين ؟
ومتى سنرى بعيون الطفل البرئ ؟
[/size]