لماذا
يصر "الإخوان" على أن يستبدلوا الكراهية بالمحبة؟.. ولماذا يقابل صبحى
صالح روح الإخاء التى أحاطتهم فى ميدان التحرير بمزيد من العجرفة
والاستعلاء ونفى الآخر؟
الإثنين، 23 مايو 2011 - 00:13
القيادى الإخوانى صبحى صالح كل يوم تقريباً بما لا يسر ولا يجمع، بل يزيد
من الفرقة والشقاق فى الوقت الذى يدعى فيه الإخوان أنهم يريدون قائمة وفاق
وطنية للتغلب على مساوئ النظام السابق، لكن تأتى تصريحات صالح لتزيد الفرقة
وتعمق الفجوة، فمرة يدعى أن الإخوان ستطبق عقوبات قطع اليد والرجم ويتهم
من يرفضها بأنه حرامى وزان أو مجرم، ومرة يدعى أن الإسلام لا يقبل أن يكون
المسلم يسارياً أو مدنياً، ومرة يستنكر زواج الإخوانى من غير "الأخوات"،
مدعياً أن وجهة النظر هذه تتماشى مع الآية الكريمة التى تقول: "أتستبدلون
الذى هو أدنى بالذى هو خير".
يضحى القيادى الإخوانى ومن عينه
متحدثاً رسمياً باسم الجماعة بكل ما اكتسبوه من احترام من جانب شباب الثورة
والمجتمع المصرى أثناء الثورة، فعن قرب رأيناهم وتحدثنا معهم وأكلنا مع
بعض "عيش وملح" فى ميدان التحرير، كانوا يضربون مثلاً فى الالتزام والسماحة
والفداء والوطنية، تجمعنا كلنا تحت راية واحدة هى علم مصر، يؤمنا هدف واحد
هو تحرير بلدنا من سارقيها، نهتف فيهتفون، نفرح فيفرحون، نتعرض للهجوم
فنهم جميعا للدفاع عن مطالبنا المشروعة وأحلامنا المبتغاة، كان الإخوان
المسلمون فى ميدان التحرير "مصريين" فحسب، بالشكل الذى جعل الكثير من
الليبراليين والمثقفين واليساريين والأقباط وغيرهم من الأطياف الوطنية يزيد
من حنقه على النظام السابق، الذى صورهم لنا كعملاء وأجراء ومخربين، وحرم
مصر من الاستفادة من طاقات أبنائها من الإخوان بدعوى أنهم من طينه غير
الطينة وعجينة غير العجينة.
حلمنا ونحن فى الميدان بوطن جميل يضم كل
أبنائها تحت جناحه، للجميع حق الاختلاف فى الآراء، ولكن ليس من حق أحد أن
يستأثر بالحقيقة، وينفى المخالفين له، وليس من حق أحد أيا ما كان أن يختلف
على الراية التى نتجمع حولها وهى الإخلاص فى حب الوطن بمعناه الأشمل
والأكمل وأطيافه التى تزيده غنى وتضيف إليه رونقاً وتنوعاً.
باختيارنا
تنازلنا عن كل الأحكام المسبقة بشأن الإخوان، وعن نفسى قررت أن أطوى صفحة
الاختلاف معهم منسجماً مع الشعار الأجمل الذى رفعناه فى الميدان "مصر لكل
المصريين" ولا أكذب إن قلت إن العديد من المختلفين مع الإخوان قد سلكوا نفس
الاتجاه فى التفكير، ولم يكن هذا الانجراف فى الحب من طرف واحد، فأزعم أن
الكثيرين من أتباع التيارات الدينية قد مستهم "روح التحرير" المتسامحة،
وقرروا فيما بينهم أن يزيحوا من عقلهم كل ما سمعوه عن المخالفين لهم فى
الرأى والاتجاه، لافتة صغيرة حملها أحد المنتمين للتيار الإسلامى فى
الميدان مثلت هذا الاتجاه أقوى تمثيل ففى وسط اللافتات الكثيرة التى رفعت
فى الميدان تطالب مبارك بالرحيل برزت منها واحدة حملها أحد أتباع التيارات
الدينية مكتوب عليها "أرحل بقى منك لله خلتنا نحب بعض".
مرت أيام
الميدان، بعد نزع مبارك من فوق كرسيه، لكن طعم الحلم بوطن متجانس وقوى
وحنون ورحب لم يمر، وكنا نأمل أن يصبح ميثاق شرف ميدان التحرير هو الأساس
الوطنى الآسر لبناء دستور سياسى ومجتمعى نعيش تحت مظلته جميعا أخوة وأحباء
وشركاء فى الوطن، وحينما جاء ميعاد التصويت على استفتاء التعديل الدستورى
شعر الكثيرون من أبناء الميدان بغصة خانقة من تصرفات الإخوان المسلمين ومن
صاحبهم، وسبب هذه الغصة بالطبع لم يكن اختلاف الجماعة فى الرأى وتحريضها
على التصويت بنعم، فتلك مسألة أخرى تخضع لحرية الرأى والتعبير، لكن سبب
الغصة الحقيقى هو اتهام بعض الداعين لـ"نعم" من الإخوان والتيارات الأخرى
لمخالفيهم بالكفر والإلحاد والانحراف عن جادة الدين، كما لو كان التصويت
بنعم منصوص عليه فى الصحيحين، أو أنزله الله فى كتابه المبين، وهو الأمر
الذى ذكرنى بأسلوب سمير رجب فى الجمهورية حينما كان يتملق للرئيس المخلوع
ويقول له "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ورسوله".
إذن كان
الاستفتاء على الدستور هو أول منغصات الحلم، أو أول "نغزة" للإفاقة منه،
وأذكر أنى كنت فى الليلة التى سبقت يوم التصويت على الاستفتاء ماراً
بسيارتى أمام المدينة الجامعية لطلاب الأزهر وجدت مجموعة كبيرة من الملتحين
تحمل لافتات مدون عليها كلمة "نعم للتعديلات الدستورية مع الله"، وأشار لى
أحدهم نحو اللافتة كما لو كان يحفزنى على أن أقول نعم، فأشرت إليه ممازحاً
"لا" فما كان منه إلا أن فرك أصبعيه "السبابة والإبهام" بما يعنى أنى
"واخد فلوس" لأقول "لا" وبرغم أنى شعرت بإحباط كبير يكاد يكون مماثلاً
للإحباط الذى تعرضت إليه فى يوم "موقعة الجمل" لكننى لم أغضب من هذا الصبى،
لأننى كنت أعلم أن هناك الكثير من الشائعات التى أطلقها "للأسف" موقع
الإخوان المسلمين وكان من أشهرها أن أمريكا تدفع آلاف الدولارات لمن يقولون
"لا" تمام كالشائعات التى كان يطلقها أمن الدولة على ثوار التحرير، كوجبات
كنتاكى والمتين يورو.
للأسف أيضا دلت هذه الواقعة أننا مازلنا لم
نتخلص من "مبارك" الذى فى داخلنا، فإن كان النظام السابق يتهم كل مخالفيه
بالعمالة والخيانة، فها هى جماعة الإخوان ومن اتبعهم تتهم مخالفيها بالكفر
أو على الأقل بالمروق والعصيان، بالإضافة إلى العمالة والتخوين، ولا أظن أن
التاريخ سيغفر للإخوان والسلفيين على وجه التحديد ما ارتكبوه من تضليل
وتعمية واستغلال للدين لتحقيق مآربهم السياسية أو مصالحهم الشخصية، كما لا
أظن أن من ضحك مستغلى الدين عليه مرة سيسمح لنفسه أن يكون فريسة دائمة لهم،
وبرغم الألم النفسى الذى شعرت به أثناء فترة التناحر بين "لا" و"نعم"
لكننى لم أقنط من رحمة الله ولم "أرمى طوبة" الإخوان ولم أتنازل عن حلم
الميدان بوطن يستوعب كل أطيافه ويجمع كل أطرافه، وفى الحقيقة مدى السعادة
الذى شعرت به حينما رأيت طوابير الحرية تصطف أمام لجان الاقتراع جعلنى أنسى
وخز الألم فى الصراع بين لا ونعم، فهذه الطوابير هى الانتصار الحقيقى الذى
كنا جميعا نبتغيه، وقلت لنفسى مبررا خطيئة الإخوان: هى سقطة على أى حال،
ومن الممكن أن نتجاوز عنها أملا فى الاصطفاف حول الوطن الجديد الذى لا يفرق
بين أبنائه شىء.
مرت الأيام بعد التعديلات الدستورية، وتبعها مزيد
من الانشقاق، ودعاوى الانتصار فى غزوة الصناديق، وغزوة الأضرحة، وغزوة قطع
الأذن، لكن الأمل لم يمر، وإن بدا التمسك به ضربا من السذاجة والرومانسية.
وأعتقد أن أغلبية الشعب المصرى ينحاز بفطرته إلى المسالمة والمحبة، وإنه
يمد يد التسامح قدر ما يستطيع، ولا يسحبها إلا حينما يتأكد أن من يمد لهم
يده يشرعون فى قطعها، ووقتها تكون غضبته أقوى وأعنف من الخيال، فبقدر الصبر
والاستعداد الدائم للحب، يكون الغضب والفوران والاجتياح، والتأهب
للاستجابة إلى الثورة على الكاذبين المخادعين القاهرين، ولنا جميعا فى
"جمعة الغضب" خير شاهد ودليل، وما يجعلنى أظن أن رصيد الأمل فى جماعة
الأخوان المسلمين الذى اكتسبته فى الميدان بدأ فى التناقص هو تصرفات أعضاء
مكتب الإرشاد وإصرارهم الدائم على لوى عنق الحقيقة، واللعب بكل الورقات،
مما يعيد إلى الأذهان ما كنا نسيناه بفضل ميدان التحرير، وهو أن انتمائهم
ليس لمصر ولكن لأنفسهم، وأن هناك فصاما كبيرا بين ما يقولنه وما يفعلونه.
بدأت
ملامح هذا الفصام فى الظهور حينما أراد أعضاء مكتب الإرشاد وعلى رأسهم
عصام العريان فى محاولة نسب الثورة لأنفسهم، وتصوير المشهد كله باعتبارهم
محركيه ومخططيه ومنفذيه، فالعريان ادعى فى إحدى مقابلاته التليفزيونية أن
أدمن الصفحة التى دعت للثورة "كلنا خالد سعيد" الاحتياطى أخواني، وأن وائل
غنيم نفسه "أخواني" وأن الإخوان شاركوا فى يوم 25 يناير بقوة، وكل هذا
بالطبع كذب وافتراء، فغنيم أنكر صلته بالإخوان، والأدمن الاحتياطى الذى
يقول العريان عنه إنه إخوانى ما هو إلا صديق "غنيم" الذى استأمنه على الباس
ورد الخاص بالصفحة ليديرها إذا ما تعرض لمكروه، وسرعان ما تبرأ غنيم فور
إطلاق سراحه عن أى شيء كتبه هذا "الاحتياطي" ولا أظن أن مسألة كون هذا
"الاحتياطي" إخوانيا أو قبطيا، أو ليبراليا شيء فارق فى حد ذاته، ولا أعلم
كيف يتجرأ العريان فى هذا الكلام الذى كذبه مكتب الإرشاد نفسه حينما أعلن
قبل 25 يناير أنه لن يشارك فى المظاهرات وإن من يريد أن يشارك فيها من شباب
الإخوان فهو لا يمثل إلا نفسه، ومن يعرف تقاليد الإخوان التى تقوم على
النظام "العائلى" يتأكد أن هذا التصريح هو بمثابة منع صريح، فمعنى أن يخلى
مكتب الإرشاد مسئوليته من الاشتراك فى المظاهرات هو أنه لا يرى فيها
للجماعة مصلحة مباشرة، ومن ثم فما لا يهم الجماعة لا يهم أفرداها.
لك
الحق أن تحزن حينما ترى من كانوا معك كتف بكف، يزيحونك بأكتافهم ليحتلوا
المشهد وحدهم لا شريك لهم، ولك الحق أيضا أن يتحول الحزن إلى غضب حينما تجد
مصر كلها تقريبا تحترم الآن شبابها وتبجلهم ولا ترى شابا إخوانيا فى
المشهد، بل على العكس تماما، فقد شاهدنا جميعا كيف اغتال "رموز" الجماعة
مطالب شبابها بالتجاهل مرة والاحتقار مرة، والمماطلة مرة، بل سعت الجماعة
إلى أن تصور تجمع شباب الإخوان وعملهم لمؤتمر إصلاحى كبير كما لو كانوا
"قلة مندسة" وسارع موقع إخوان أون لاين بنشر خبر يفيد بأن شباب "الصالحين"
من شباب الإخوان يجددون ولاءهم للمرشد العام للجماعة السيد محمد بديع، وهو
ما أثار غضب شباب الإخوان المطالبين بالإصلاح وذكرهم بممارسات الحزب الوطنى
وجهاز إعلامه الذى اعتبر شباب التحرير خونة وعملاء بينما اعتبر شباب مصطفى
محمود مخلصون وأصلاء وأوفياء.
ما زاد من التقارب بين سياسات الحزب
الوطنى الغابر وسياسات الإخوان هو تعامل الجماعة باستعلاء كبير مع كل
الأصوات المعارضة لها سواء من الدخل أو من الخارج، ظهر هذا جليا فيما ذكره
الإخوانى السابق هيثم أبو خليل الذى ادعى أن مكتب الإرشاد عقد صفقة مع عمر
سليمان أثناء اعتصام التحرير بأن تعترف بهم الحكومة وتسمح لهم بإنشاء حزب
على أن تساعدها فى فض الاعتصام، ولهذا قابل قيادات الجماعة منفردا، ليضعا
شروط الصفقة، وإذا وضعنا ادعاءات "أبو خليل" بجانب المعلومات المتناثرة عن
صفقات عمر سليمان مع قيادات الأحزاب ولجنة الحكماء التى طالبت الثوار فعلا
بالرحيل عن الميدان يكون لهذا لادعاء أبو خليل وجاهته، لكن المريب فى الأمر
هو تجاهل الجماعة لهذا الادعاء تماما وتعاملها معه باستعلاء وتكبر، كما لو
أن الأمر لا يمسهم، وهو ما ساهم فى زيادة الاحتقان تجاه الإخوان من جانب
شباب التحرير الذين شعروا أنهم كانوا مجرد ورقة ألقاها "الكبار" على مائدة
الصفقات.
لا أريد أن أتجنى على مواقف الجماعة حساباتها، لكن المرات
التى يثبت فيها الإخوان إنهم لا يعملون إلا لصالحهم كجماعة وليس لصالح
الأمة كثيرة، وما بين موقف وآخر تفوح رائحة الانتهازية بطريقة مخجلة، وما
حدث فى جمعة التطهير كان أكبر مثال على هذا، فالجماعة أعلنت إنها لن تشارك
فى هذه "الجمعة" التى جاءت بعد أسابيع كثيرة من الغياب عن الميدان، وكانت
احتمالات فشلها كبيرة، وزاد من هذه الاحتمالات إعلان الإخوان الرسمى عدم
المشاركة، بحجة تدعيم الاستقرار، لكسب "بونت" عند المجلس العسكري، وهو ما
أشعر القوى الوطنية الأخرى بالإحراج، فمن يعرف حساسية الميدان ومزاجه يتأكد
من أن الدعوة إلى الرجوع إليه بعد طول غياب مغامرة إن لم يساعد فى إنجاحها
كل الأطراف ستلاقى صعوبات كبيرة فى تحقيقها، لكن حدث ما لم يتوقعه الإخوان
ولا المجلس العسكري، ولا شباب التحرير أنفسهم، فقد كانت الجمعة مليونية
حقيقة وبالألوان الطبيعية، وخرج اليوم على أجمل وجه، مسببا إحراجا كبيرا
للإخوان الذين خاب ظنهم وأفرطوا الثقة فى أنفسهم فكادت الأمور تفلت من
أياديهم، وما يضع ألف علامة تعجب على تصرفاتهم ويجعل رائحة الانتهازية تزكم
الأنوف هو مبادرتهم بالإعلان عن انضمامهم للجمعة التى تلت جمعة التطهير
رغم أن المطالب التى رفضوها فى الجمعة الأولى هى نفسها التى رفعها الثوار
فى الجمعة التالية، ما يؤكد أن سبب مشاركتهم "سياسية" وليست "وطنية" وأنهم
"صعب عليهم" أن يحتل "العيال السيس" المشهد مرة أخرى.
مواقف الجماعة
المحيرة لا تقف عند حد شبه الانتهازية والاستعلاء فقط بل تتعدى هذا إلى
محاولة اللعب على المشاعر الدينية بطريقة يراها البعض رخيصة وغير مستحبة،
فالجميع ينظر إلى الإخوان باعتبارهم فصيل سياسى "يفهم" أصول اللعبة، وبعد
أن لاقت تصريحاتهم بشأن تدعيم الدولة المدنية وأسسها قبولا كبيرا لدى كل
الأطياف السياسية شعر الإخوان أن "جرعة الدين" فى خطابهم قد بعدت قليلا،
فما كان منهم إلا أن زايدوا على هذه الجرعة ومضوا أبعد من أى تيار دينى فى
طرح فكرة إقامة الحدود الإسلامية على لسان القيادى الإخوانى صبحى صالح
ليثير هذا الطرح جدلا كبيرا فى الأوساط السياسية ويزيد من تشكك الجماعة
السياسية فى نية الإخوان وتطلعاتهم، وما أن ظهر هذا الطرح فى وسائل الإعلام
المختلفة حتى سارعت التيارات الدينية الأخرى فى المزايدة على المزايدة،
وبدلا من أن تكون الجماعة مثالا للاعتدال الدينى أصبحت قاطرة للتطرف الذى
أن فتحنا له الباب ستتبدد أحلامنا بوطن آمن يضم كل أبنائه إلى رحابه
باطمئنان.
كل ما سبق فى جانب وما أثير حول مشاركة الإخوان فى
الانتخابات البرلمانية وحزب العدالة والحرية فى جانب آخر، فالإخوان بعثوا
برسالة تطمينية فى أعقاب خلع مبارك وقالوا إنهم لن ينافسوا على مقعد
الرئاسة وأنهم لن ينافسوا على أكثر من 30% من مقاعد مجلس الشعب، ليأكدوا
للناس أنهم ليسوا طامعين فى الحكم، وهو ما استقبله الرأى العام بارتياح،
لكن تبريرهم لعدم المنافسة على كرسى الرئاسة جاء مخيبا للآمال فمن كنا
نحسبهم يعملون لصالح البلد ولا يريدون أن يتبنى العالم وجهة نظر مضادة
للثورة المصرية إذا ما صعد إسلاميون إلى رأس الحكم اتضح أنهم لا يريدون
الرئاسة لأن حال مصر الاقتصادى فى السنوات القادمة سيكون سيئا من وجهة
نظرهم، ولهذا لا يريدون أن يكونوا فى الواجهة لكى لا يوضعون موضع المسائلة،
كما أن نسبة الثلاثين فى المائة التى قالوا إنهم سينافسون من أجل الحصول
عليها فى البرلمان زادت باستمرار حتى وصلت إلى 50% بعد الإعلان عن تشكيل
حزب الإخوان الجديد، بل أن مرشد الإخوان هدد ذات مرة أن أنه من الممكن أن
ينافس على 75% من مقاعد البرلمان، وهو ما بدد مصداقية تصريحاتهم التى تتغير
كل يوم بلا سبب، كما بدد الصورة الذهنية للمسلم الذى إذا وعد أوفى، وإذا
حدث صدق، وإن كانت السياسة تفرض أحيانا على رجالها أن يتلونون ويعيدون
حساباتهم كل فترة، فالشرف يقتضى أن يلتزم الإنسان بما وعد مهما كان السبب،
على الأقل إن كان المتحدث يحمل فى يده مصحفا ويتخذ من الرسول الكريم قدوة
وقائدا.
أعرف أن كلامى هذا سيغضب الكثيرين من أعضاء جماعة الأخوان
المسلمين، وأعرف أن أكثرهم سيؤولون هذا الكلام بالشكل الذى يريحهم ويقولون
أنى عدوهم وأكيل لهم السهام، لكن والله على ما أقول شهيد ما رأيته من
إخواننا الإخوان فى الميدان جعلنى أأمل فيهم خيرا، وبرغم اختلافى الفكرى
الكبير عنهم لكنى لا أملك لهم إلا كل محبة واحترام، فهم مصريون على أية
حال، ووطنيون مخلصون يحبون بلدهم ويضحون من أجلها، ومن العبث أن نطالب
بحقوق المواطنة لجميع أطياف الشعب وفئاته وننظر بعين الريبة إلى كل صعود
إخواني، لكننا ما دمنا نؤسس دولتنا الجديدة فليس أقل من أن نضمن لها تنوعها
وبقائها ونضع من المبادئ ما يدعم استفادة بلدنا من كل طاقات أبنائه
المخلصين سياسيا وعلميا وثقافيا واقتصاديا، ومن هنا أرى أن ما حدث أثناء
الإعلان عن الحزب يعد كارثة سياسية بكل المقاييس، ففى الوقت الذى قال فيه
مرشد الجماعة إن حزب العدالة والحرية سيكون له هياكله ومؤسساته، وإن مكتب
الإرشاد لن يصدر لهم أية توجيهات وإن تدخل الجماعة سيقتصر على الأمور
التربوية والأخلاقية رأيناه يحرم على أعضاء الجماعة الاشتراك فى أى أحزاب
أخرى، ويهددهم بالفصل والكلمة الجاهزة طبعا هى أنه من يخرج من الجماعة
سيكون أول النادمين، كما ظهرت تدخلات الجماعة السياسية المباشرة فى اختيار
رئيس الحزب ونوابه "بالأمر المباشر" من جانب مجلس شورى الإخوان، ما يؤكد أن
الحزب لن ينفصل بأى حال من الأحوال عن الجماعة، وأنه ما هو إلا ستارة
يختبئ خلفها نشاط الجماعة وتطلعاتها، وهو بالتأكيد ما سيضعف من الحزب
وقراراته وسيادته، ويعيد إلى الأذهان فكرة ولاية الفقيه فرئيس الحزب ما هو
إلا صورة أما الرئيس الفعلى فهو المرشد
كل هذا حدث دون مشاورة أهل
الجماعة وشبابها، وفى غيبة من الدولة التى مازالت تترنح بين الضربات
الكثيرة التى تتلقاها، وهو ما أثار انتقادات كبيرة من قيادات الإخوان
وشبابها، خاصة أنه من المكن أن نقول إن وجود جماعة الإخوان الآن غير شرعي،
فمن وقت أن تم حل الجماعة فى 1948 على يد النقراشى باشا لم يتم تقنين وضع
الجماعة وذلك طبعا لما لاقيته الجماعة من تعنت أمنى كبير خلال الفترة
الماضية، أما الآن فل حجة للجماعة أن تشرعن وجودها وأن تعلن عن تأسيس جمعية
أهلية تضم أفرادها كلهم وأن تضع ميزانية هذه الجماعة أمام الجهات الرقابية
مثلها مثل أى جماعة أو جمعية أخرى، هذا أن كانت كما يقول أفردها إنها
جماعة دعوية، وخدمية أما الحزب فعليهم أن يتركوه لرجال السياسة وأن يحذوا
حذوا حزب الوسط الذى يضع حدا فاصلا بين وجوده السياسى وتوجهه الديني، وهذه
هى الأسس التى تضمن للجماعة والحزب أن يتمتعوا بالازدهار النمو فى مصر
الجديد المبنية على الشفافية والوضوح والتى لن تقبل أن يعيش أحد صناعها فى
الغرف المظلمة ولن يلدغ أبنائها من جحر مرتين.
وائل السمرى
يصر "الإخوان" على أن يستبدلوا الكراهية بالمحبة؟.. ولماذا يقابل صبحى
صالح روح الإخاء التى أحاطتهم فى ميدان التحرير بمزيد من العجرفة
والاستعلاء ونفى الآخر؟
الإثنين، 23 مايو 2011 - 00:13
صبحى صالح
يطالعناالقيادى الإخوانى صبحى صالح كل يوم تقريباً بما لا يسر ولا يجمع، بل يزيد
من الفرقة والشقاق فى الوقت الذى يدعى فيه الإخوان أنهم يريدون قائمة وفاق
وطنية للتغلب على مساوئ النظام السابق، لكن تأتى تصريحات صالح لتزيد الفرقة
وتعمق الفجوة، فمرة يدعى أن الإخوان ستطبق عقوبات قطع اليد والرجم ويتهم
من يرفضها بأنه حرامى وزان أو مجرم، ومرة يدعى أن الإسلام لا يقبل أن يكون
المسلم يسارياً أو مدنياً، ومرة يستنكر زواج الإخوانى من غير "الأخوات"،
مدعياً أن وجهة النظر هذه تتماشى مع الآية الكريمة التى تقول: "أتستبدلون
الذى هو أدنى بالذى هو خير".
يضحى القيادى الإخوانى ومن عينه
متحدثاً رسمياً باسم الجماعة بكل ما اكتسبوه من احترام من جانب شباب الثورة
والمجتمع المصرى أثناء الثورة، فعن قرب رأيناهم وتحدثنا معهم وأكلنا مع
بعض "عيش وملح" فى ميدان التحرير، كانوا يضربون مثلاً فى الالتزام والسماحة
والفداء والوطنية، تجمعنا كلنا تحت راية واحدة هى علم مصر، يؤمنا هدف واحد
هو تحرير بلدنا من سارقيها، نهتف فيهتفون، نفرح فيفرحون، نتعرض للهجوم
فنهم جميعا للدفاع عن مطالبنا المشروعة وأحلامنا المبتغاة، كان الإخوان
المسلمون فى ميدان التحرير "مصريين" فحسب، بالشكل الذى جعل الكثير من
الليبراليين والمثقفين واليساريين والأقباط وغيرهم من الأطياف الوطنية يزيد
من حنقه على النظام السابق، الذى صورهم لنا كعملاء وأجراء ومخربين، وحرم
مصر من الاستفادة من طاقات أبنائها من الإخوان بدعوى أنهم من طينه غير
الطينة وعجينة غير العجينة.
حلمنا ونحن فى الميدان بوطن جميل يضم كل
أبنائها تحت جناحه، للجميع حق الاختلاف فى الآراء، ولكن ليس من حق أحد أن
يستأثر بالحقيقة، وينفى المخالفين له، وليس من حق أحد أيا ما كان أن يختلف
على الراية التى نتجمع حولها وهى الإخلاص فى حب الوطن بمعناه الأشمل
والأكمل وأطيافه التى تزيده غنى وتضيف إليه رونقاً وتنوعاً.
باختيارنا
تنازلنا عن كل الأحكام المسبقة بشأن الإخوان، وعن نفسى قررت أن أطوى صفحة
الاختلاف معهم منسجماً مع الشعار الأجمل الذى رفعناه فى الميدان "مصر لكل
المصريين" ولا أكذب إن قلت إن العديد من المختلفين مع الإخوان قد سلكوا نفس
الاتجاه فى التفكير، ولم يكن هذا الانجراف فى الحب من طرف واحد، فأزعم أن
الكثيرين من أتباع التيارات الدينية قد مستهم "روح التحرير" المتسامحة،
وقرروا فيما بينهم أن يزيحوا من عقلهم كل ما سمعوه عن المخالفين لهم فى
الرأى والاتجاه، لافتة صغيرة حملها أحد المنتمين للتيار الإسلامى فى
الميدان مثلت هذا الاتجاه أقوى تمثيل ففى وسط اللافتات الكثيرة التى رفعت
فى الميدان تطالب مبارك بالرحيل برزت منها واحدة حملها أحد أتباع التيارات
الدينية مكتوب عليها "أرحل بقى منك لله خلتنا نحب بعض".
مرت أيام
الميدان، بعد نزع مبارك من فوق كرسيه، لكن طعم الحلم بوطن متجانس وقوى
وحنون ورحب لم يمر، وكنا نأمل أن يصبح ميثاق شرف ميدان التحرير هو الأساس
الوطنى الآسر لبناء دستور سياسى ومجتمعى نعيش تحت مظلته جميعا أخوة وأحباء
وشركاء فى الوطن، وحينما جاء ميعاد التصويت على استفتاء التعديل الدستورى
شعر الكثيرون من أبناء الميدان بغصة خانقة من تصرفات الإخوان المسلمين ومن
صاحبهم، وسبب هذه الغصة بالطبع لم يكن اختلاف الجماعة فى الرأى وتحريضها
على التصويت بنعم، فتلك مسألة أخرى تخضع لحرية الرأى والتعبير، لكن سبب
الغصة الحقيقى هو اتهام بعض الداعين لـ"نعم" من الإخوان والتيارات الأخرى
لمخالفيهم بالكفر والإلحاد والانحراف عن جادة الدين، كما لو كان التصويت
بنعم منصوص عليه فى الصحيحين، أو أنزله الله فى كتابه المبين، وهو الأمر
الذى ذكرنى بأسلوب سمير رجب فى الجمهورية حينما كان يتملق للرئيس المخلوع
ويقول له "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ورسوله".
إذن كان
الاستفتاء على الدستور هو أول منغصات الحلم، أو أول "نغزة" للإفاقة منه،
وأذكر أنى كنت فى الليلة التى سبقت يوم التصويت على الاستفتاء ماراً
بسيارتى أمام المدينة الجامعية لطلاب الأزهر وجدت مجموعة كبيرة من الملتحين
تحمل لافتات مدون عليها كلمة "نعم للتعديلات الدستورية مع الله"، وأشار لى
أحدهم نحو اللافتة كما لو كان يحفزنى على أن أقول نعم، فأشرت إليه ممازحاً
"لا" فما كان منه إلا أن فرك أصبعيه "السبابة والإبهام" بما يعنى أنى
"واخد فلوس" لأقول "لا" وبرغم أنى شعرت بإحباط كبير يكاد يكون مماثلاً
للإحباط الذى تعرضت إليه فى يوم "موقعة الجمل" لكننى لم أغضب من هذا الصبى،
لأننى كنت أعلم أن هناك الكثير من الشائعات التى أطلقها "للأسف" موقع
الإخوان المسلمين وكان من أشهرها أن أمريكا تدفع آلاف الدولارات لمن يقولون
"لا" تمام كالشائعات التى كان يطلقها أمن الدولة على ثوار التحرير، كوجبات
كنتاكى والمتين يورو.
للأسف أيضا دلت هذه الواقعة أننا مازلنا لم
نتخلص من "مبارك" الذى فى داخلنا، فإن كان النظام السابق يتهم كل مخالفيه
بالعمالة والخيانة، فها هى جماعة الإخوان ومن اتبعهم تتهم مخالفيها بالكفر
أو على الأقل بالمروق والعصيان، بالإضافة إلى العمالة والتخوين، ولا أظن أن
التاريخ سيغفر للإخوان والسلفيين على وجه التحديد ما ارتكبوه من تضليل
وتعمية واستغلال للدين لتحقيق مآربهم السياسية أو مصالحهم الشخصية، كما لا
أظن أن من ضحك مستغلى الدين عليه مرة سيسمح لنفسه أن يكون فريسة دائمة لهم،
وبرغم الألم النفسى الذى شعرت به أثناء فترة التناحر بين "لا" و"نعم"
لكننى لم أقنط من رحمة الله ولم "أرمى طوبة" الإخوان ولم أتنازل عن حلم
الميدان بوطن يستوعب كل أطيافه ويجمع كل أطرافه، وفى الحقيقة مدى السعادة
الذى شعرت به حينما رأيت طوابير الحرية تصطف أمام لجان الاقتراع جعلنى أنسى
وخز الألم فى الصراع بين لا ونعم، فهذه الطوابير هى الانتصار الحقيقى الذى
كنا جميعا نبتغيه، وقلت لنفسى مبررا خطيئة الإخوان: هى سقطة على أى حال،
ومن الممكن أن نتجاوز عنها أملا فى الاصطفاف حول الوطن الجديد الذى لا يفرق
بين أبنائه شىء.
مرت الأيام بعد التعديلات الدستورية، وتبعها مزيد
من الانشقاق، ودعاوى الانتصار فى غزوة الصناديق، وغزوة الأضرحة، وغزوة قطع
الأذن، لكن الأمل لم يمر، وإن بدا التمسك به ضربا من السذاجة والرومانسية.
وأعتقد أن أغلبية الشعب المصرى ينحاز بفطرته إلى المسالمة والمحبة، وإنه
يمد يد التسامح قدر ما يستطيع، ولا يسحبها إلا حينما يتأكد أن من يمد لهم
يده يشرعون فى قطعها، ووقتها تكون غضبته أقوى وأعنف من الخيال، فبقدر الصبر
والاستعداد الدائم للحب، يكون الغضب والفوران والاجتياح، والتأهب
للاستجابة إلى الثورة على الكاذبين المخادعين القاهرين، ولنا جميعا فى
"جمعة الغضب" خير شاهد ودليل، وما يجعلنى أظن أن رصيد الأمل فى جماعة
الأخوان المسلمين الذى اكتسبته فى الميدان بدأ فى التناقص هو تصرفات أعضاء
مكتب الإرشاد وإصرارهم الدائم على لوى عنق الحقيقة، واللعب بكل الورقات،
مما يعيد إلى الأذهان ما كنا نسيناه بفضل ميدان التحرير، وهو أن انتمائهم
ليس لمصر ولكن لأنفسهم، وأن هناك فصاما كبيرا بين ما يقولنه وما يفعلونه.
بدأت
ملامح هذا الفصام فى الظهور حينما أراد أعضاء مكتب الإرشاد وعلى رأسهم
عصام العريان فى محاولة نسب الثورة لأنفسهم، وتصوير المشهد كله باعتبارهم
محركيه ومخططيه ومنفذيه، فالعريان ادعى فى إحدى مقابلاته التليفزيونية أن
أدمن الصفحة التى دعت للثورة "كلنا خالد سعيد" الاحتياطى أخواني، وأن وائل
غنيم نفسه "أخواني" وأن الإخوان شاركوا فى يوم 25 يناير بقوة، وكل هذا
بالطبع كذب وافتراء، فغنيم أنكر صلته بالإخوان، والأدمن الاحتياطى الذى
يقول العريان عنه إنه إخوانى ما هو إلا صديق "غنيم" الذى استأمنه على الباس
ورد الخاص بالصفحة ليديرها إذا ما تعرض لمكروه، وسرعان ما تبرأ غنيم فور
إطلاق سراحه عن أى شيء كتبه هذا "الاحتياطي" ولا أظن أن مسألة كون هذا
"الاحتياطي" إخوانيا أو قبطيا، أو ليبراليا شيء فارق فى حد ذاته، ولا أعلم
كيف يتجرأ العريان فى هذا الكلام الذى كذبه مكتب الإرشاد نفسه حينما أعلن
قبل 25 يناير أنه لن يشارك فى المظاهرات وإن من يريد أن يشارك فيها من شباب
الإخوان فهو لا يمثل إلا نفسه، ومن يعرف تقاليد الإخوان التى تقوم على
النظام "العائلى" يتأكد أن هذا التصريح هو بمثابة منع صريح، فمعنى أن يخلى
مكتب الإرشاد مسئوليته من الاشتراك فى المظاهرات هو أنه لا يرى فيها
للجماعة مصلحة مباشرة، ومن ثم فما لا يهم الجماعة لا يهم أفرداها.
لك
الحق أن تحزن حينما ترى من كانوا معك كتف بكف، يزيحونك بأكتافهم ليحتلوا
المشهد وحدهم لا شريك لهم، ولك الحق أيضا أن يتحول الحزن إلى غضب حينما تجد
مصر كلها تقريبا تحترم الآن شبابها وتبجلهم ولا ترى شابا إخوانيا فى
المشهد، بل على العكس تماما، فقد شاهدنا جميعا كيف اغتال "رموز" الجماعة
مطالب شبابها بالتجاهل مرة والاحتقار مرة، والمماطلة مرة، بل سعت الجماعة
إلى أن تصور تجمع شباب الإخوان وعملهم لمؤتمر إصلاحى كبير كما لو كانوا
"قلة مندسة" وسارع موقع إخوان أون لاين بنشر خبر يفيد بأن شباب "الصالحين"
من شباب الإخوان يجددون ولاءهم للمرشد العام للجماعة السيد محمد بديع، وهو
ما أثار غضب شباب الإخوان المطالبين بالإصلاح وذكرهم بممارسات الحزب الوطنى
وجهاز إعلامه الذى اعتبر شباب التحرير خونة وعملاء بينما اعتبر شباب مصطفى
محمود مخلصون وأصلاء وأوفياء.
ما زاد من التقارب بين سياسات الحزب
الوطنى الغابر وسياسات الإخوان هو تعامل الجماعة باستعلاء كبير مع كل
الأصوات المعارضة لها سواء من الدخل أو من الخارج، ظهر هذا جليا فيما ذكره
الإخوانى السابق هيثم أبو خليل الذى ادعى أن مكتب الإرشاد عقد صفقة مع عمر
سليمان أثناء اعتصام التحرير بأن تعترف بهم الحكومة وتسمح لهم بإنشاء حزب
على أن تساعدها فى فض الاعتصام، ولهذا قابل قيادات الجماعة منفردا، ليضعا
شروط الصفقة، وإذا وضعنا ادعاءات "أبو خليل" بجانب المعلومات المتناثرة عن
صفقات عمر سليمان مع قيادات الأحزاب ولجنة الحكماء التى طالبت الثوار فعلا
بالرحيل عن الميدان يكون لهذا لادعاء أبو خليل وجاهته، لكن المريب فى الأمر
هو تجاهل الجماعة لهذا الادعاء تماما وتعاملها معه باستعلاء وتكبر، كما لو
أن الأمر لا يمسهم، وهو ما ساهم فى زيادة الاحتقان تجاه الإخوان من جانب
شباب التحرير الذين شعروا أنهم كانوا مجرد ورقة ألقاها "الكبار" على مائدة
الصفقات.
لا أريد أن أتجنى على مواقف الجماعة حساباتها، لكن المرات
التى يثبت فيها الإخوان إنهم لا يعملون إلا لصالحهم كجماعة وليس لصالح
الأمة كثيرة، وما بين موقف وآخر تفوح رائحة الانتهازية بطريقة مخجلة، وما
حدث فى جمعة التطهير كان أكبر مثال على هذا، فالجماعة أعلنت إنها لن تشارك
فى هذه "الجمعة" التى جاءت بعد أسابيع كثيرة من الغياب عن الميدان، وكانت
احتمالات فشلها كبيرة، وزاد من هذه الاحتمالات إعلان الإخوان الرسمى عدم
المشاركة، بحجة تدعيم الاستقرار، لكسب "بونت" عند المجلس العسكري، وهو ما
أشعر القوى الوطنية الأخرى بالإحراج، فمن يعرف حساسية الميدان ومزاجه يتأكد
من أن الدعوة إلى الرجوع إليه بعد طول غياب مغامرة إن لم يساعد فى إنجاحها
كل الأطراف ستلاقى صعوبات كبيرة فى تحقيقها، لكن حدث ما لم يتوقعه الإخوان
ولا المجلس العسكري، ولا شباب التحرير أنفسهم، فقد كانت الجمعة مليونية
حقيقة وبالألوان الطبيعية، وخرج اليوم على أجمل وجه، مسببا إحراجا كبيرا
للإخوان الذين خاب ظنهم وأفرطوا الثقة فى أنفسهم فكادت الأمور تفلت من
أياديهم، وما يضع ألف علامة تعجب على تصرفاتهم ويجعل رائحة الانتهازية تزكم
الأنوف هو مبادرتهم بالإعلان عن انضمامهم للجمعة التى تلت جمعة التطهير
رغم أن المطالب التى رفضوها فى الجمعة الأولى هى نفسها التى رفعها الثوار
فى الجمعة التالية، ما يؤكد أن سبب مشاركتهم "سياسية" وليست "وطنية" وأنهم
"صعب عليهم" أن يحتل "العيال السيس" المشهد مرة أخرى.
مواقف الجماعة
المحيرة لا تقف عند حد شبه الانتهازية والاستعلاء فقط بل تتعدى هذا إلى
محاولة اللعب على المشاعر الدينية بطريقة يراها البعض رخيصة وغير مستحبة،
فالجميع ينظر إلى الإخوان باعتبارهم فصيل سياسى "يفهم" أصول اللعبة، وبعد
أن لاقت تصريحاتهم بشأن تدعيم الدولة المدنية وأسسها قبولا كبيرا لدى كل
الأطياف السياسية شعر الإخوان أن "جرعة الدين" فى خطابهم قد بعدت قليلا،
فما كان منهم إلا أن زايدوا على هذه الجرعة ومضوا أبعد من أى تيار دينى فى
طرح فكرة إقامة الحدود الإسلامية على لسان القيادى الإخوانى صبحى صالح
ليثير هذا الطرح جدلا كبيرا فى الأوساط السياسية ويزيد من تشكك الجماعة
السياسية فى نية الإخوان وتطلعاتهم، وما أن ظهر هذا الطرح فى وسائل الإعلام
المختلفة حتى سارعت التيارات الدينية الأخرى فى المزايدة على المزايدة،
وبدلا من أن تكون الجماعة مثالا للاعتدال الدينى أصبحت قاطرة للتطرف الذى
أن فتحنا له الباب ستتبدد أحلامنا بوطن آمن يضم كل أبنائه إلى رحابه
باطمئنان.
كل ما سبق فى جانب وما أثير حول مشاركة الإخوان فى
الانتخابات البرلمانية وحزب العدالة والحرية فى جانب آخر، فالإخوان بعثوا
برسالة تطمينية فى أعقاب خلع مبارك وقالوا إنهم لن ينافسوا على مقعد
الرئاسة وأنهم لن ينافسوا على أكثر من 30% من مقاعد مجلس الشعب، ليأكدوا
للناس أنهم ليسوا طامعين فى الحكم، وهو ما استقبله الرأى العام بارتياح،
لكن تبريرهم لعدم المنافسة على كرسى الرئاسة جاء مخيبا للآمال فمن كنا
نحسبهم يعملون لصالح البلد ولا يريدون أن يتبنى العالم وجهة نظر مضادة
للثورة المصرية إذا ما صعد إسلاميون إلى رأس الحكم اتضح أنهم لا يريدون
الرئاسة لأن حال مصر الاقتصادى فى السنوات القادمة سيكون سيئا من وجهة
نظرهم، ولهذا لا يريدون أن يكونوا فى الواجهة لكى لا يوضعون موضع المسائلة،
كما أن نسبة الثلاثين فى المائة التى قالوا إنهم سينافسون من أجل الحصول
عليها فى البرلمان زادت باستمرار حتى وصلت إلى 50% بعد الإعلان عن تشكيل
حزب الإخوان الجديد، بل أن مرشد الإخوان هدد ذات مرة أن أنه من الممكن أن
ينافس على 75% من مقاعد البرلمان، وهو ما بدد مصداقية تصريحاتهم التى تتغير
كل يوم بلا سبب، كما بدد الصورة الذهنية للمسلم الذى إذا وعد أوفى، وإذا
حدث صدق، وإن كانت السياسة تفرض أحيانا على رجالها أن يتلونون ويعيدون
حساباتهم كل فترة، فالشرف يقتضى أن يلتزم الإنسان بما وعد مهما كان السبب،
على الأقل إن كان المتحدث يحمل فى يده مصحفا ويتخذ من الرسول الكريم قدوة
وقائدا.
أعرف أن كلامى هذا سيغضب الكثيرين من أعضاء جماعة الأخوان
المسلمين، وأعرف أن أكثرهم سيؤولون هذا الكلام بالشكل الذى يريحهم ويقولون
أنى عدوهم وأكيل لهم السهام، لكن والله على ما أقول شهيد ما رأيته من
إخواننا الإخوان فى الميدان جعلنى أأمل فيهم خيرا، وبرغم اختلافى الفكرى
الكبير عنهم لكنى لا أملك لهم إلا كل محبة واحترام، فهم مصريون على أية
حال، ووطنيون مخلصون يحبون بلدهم ويضحون من أجلها، ومن العبث أن نطالب
بحقوق المواطنة لجميع أطياف الشعب وفئاته وننظر بعين الريبة إلى كل صعود
إخواني، لكننا ما دمنا نؤسس دولتنا الجديدة فليس أقل من أن نضمن لها تنوعها
وبقائها ونضع من المبادئ ما يدعم استفادة بلدنا من كل طاقات أبنائه
المخلصين سياسيا وعلميا وثقافيا واقتصاديا، ومن هنا أرى أن ما حدث أثناء
الإعلان عن الحزب يعد كارثة سياسية بكل المقاييس، ففى الوقت الذى قال فيه
مرشد الجماعة إن حزب العدالة والحرية سيكون له هياكله ومؤسساته، وإن مكتب
الإرشاد لن يصدر لهم أية توجيهات وإن تدخل الجماعة سيقتصر على الأمور
التربوية والأخلاقية رأيناه يحرم على أعضاء الجماعة الاشتراك فى أى أحزاب
أخرى، ويهددهم بالفصل والكلمة الجاهزة طبعا هى أنه من يخرج من الجماعة
سيكون أول النادمين، كما ظهرت تدخلات الجماعة السياسية المباشرة فى اختيار
رئيس الحزب ونوابه "بالأمر المباشر" من جانب مجلس شورى الإخوان، ما يؤكد أن
الحزب لن ينفصل بأى حال من الأحوال عن الجماعة، وأنه ما هو إلا ستارة
يختبئ خلفها نشاط الجماعة وتطلعاتها، وهو بالتأكيد ما سيضعف من الحزب
وقراراته وسيادته، ويعيد إلى الأذهان فكرة ولاية الفقيه فرئيس الحزب ما هو
إلا صورة أما الرئيس الفعلى فهو المرشد
كل هذا حدث دون مشاورة أهل
الجماعة وشبابها، وفى غيبة من الدولة التى مازالت تترنح بين الضربات
الكثيرة التى تتلقاها، وهو ما أثار انتقادات كبيرة من قيادات الإخوان
وشبابها، خاصة أنه من المكن أن نقول إن وجود جماعة الإخوان الآن غير شرعي،
فمن وقت أن تم حل الجماعة فى 1948 على يد النقراشى باشا لم يتم تقنين وضع
الجماعة وذلك طبعا لما لاقيته الجماعة من تعنت أمنى كبير خلال الفترة
الماضية، أما الآن فل حجة للجماعة أن تشرعن وجودها وأن تعلن عن تأسيس جمعية
أهلية تضم أفرادها كلهم وأن تضع ميزانية هذه الجماعة أمام الجهات الرقابية
مثلها مثل أى جماعة أو جمعية أخرى، هذا أن كانت كما يقول أفردها إنها
جماعة دعوية، وخدمية أما الحزب فعليهم أن يتركوه لرجال السياسة وأن يحذوا
حذوا حزب الوسط الذى يضع حدا فاصلا بين وجوده السياسى وتوجهه الديني، وهذه
هى الأسس التى تضمن للجماعة والحزب أن يتمتعوا بالازدهار النمو فى مصر
الجديد المبنية على الشفافية والوضوح والتى لن تقبل أن يعيش أحد صناعها فى
الغرف المظلمة ولن يلدغ أبنائها من جحر مرتين.
وائل السمرى