بسم الله الرحمن ارحيم
عنما تخطى العالم مرحلة الاحاجي والالغاز في تفسير الظواهر الكونية واستطاع العقل البشري ان يسبر الكثير من اغوار العالم اللامتناهي وان يطا بقدميه سطح القمر ويكتشف خارطة الانسان الجينية ويحول كوكبنا الارضي الى قرية صغيرة بفضل سرعة المواصلات والاتصالات انكب المسلمون على دراسة القرآن واكتشافه من جديد ليفسروه تفسيرا علميا وليكتشفوا الله من خلال انجازات الانسان ومعجزاته وليس من خلال معجزات الانبياء التي بقت على حالها لم تتغير ولم تتطور بتطور الخيال القصصي والروائي الشعبي او الخيال العلمي .التفسير العلمي للقران وان كان المقصود به هدفا دينيا للتدليل على عظمة الخالق وقدرته ،لكنه بنفس الوقت يخفف من حالة الاحتراب بين العقل الديني الغيبي وبين العقل العلمي التطبيقي ويجعل من الدين تابعا للعلم وليس العكس .كل تفسيرات القران التي سبقت التقدم العلمي والحضاري لم تكن تشير الى اي اختلاف عن المسلمات القديمة الخاطئة المنقولة من الكتب المقدسة وهي كثيرة وعديدة جدا بتعدد الظواهر الطبيعية واشكال المادة ،من ظاهرة البرق والرعد والمطر او ماهية الشمس والقمر وشكل الارض وعددالسماوات وارجاع الانسان الى اب وام واحدة دون المروربمرحلة التطور ..شيئ حسن ان يختلف مفسرو اليوم عن نظرائهم الاوليين فهم (اي مفسروا اليوم) لا يرغمون الانسان على عدم القبول بكروية الارض ودورانها حول الشمس ،وان شذ البعض منهم مثل ابن باز الذي كفر كل من اعتقد بكروية الارض ودورانها /كما ان بحثهم المستمر لجعل القرآن مناسبا لاعجازات الانسان العلمية يزيل بعض العقبات التي اعتاد الدين ان يضعها امام الفلاسفة والعلماء الطبيعين فيتهمهم بالهرطقة والزندقة ويحكم عليهم بالقتل وقطع الالسن والاصابع.وحسنا ايضا ان يشجع الدين على العلم والتعلم حتى لو كان الهدف اثبات صحة مسلمات ربما تكون خاطئة ،فالعلم هو المحاولة والتجربة والاختبار، النظرية والبرهان ،ومن خلال هذه العملية يتطور الانسان ويكتشف ربما عن طريق الصدفة اشياء ومعارف وحقائق جديدة قد تتعارض مع الدين ،لكن التفسير الجديد للقرآن يحاول ردم هذا التعارض عن طريق اخضاعه للعلم وليس بالعكس.
اصبح من الصعب بل ومن المستحيل انكار الحقائق العلمية ،فلم تعد مجرد فرضيات او نظريات او تاملات خيالية ،لقد اثبت الانسان ذلك بالدليل القاطع والبرهان الساطع واصبحت بديهيات يعرفها حتى الذين لم تتح لهم فرصة التعلم..لكن هذا التفسيرالجديد المستند على انجازات الغير ،الذي لو لم يركن الدين جانبا ويتحرر في مسيرته الشاقة من قيود الاهوت ومسلماته الباطلة ،لما استطاع ان يبهرنا بكل هذه الانجازات البشرية المذهلة ،هذا التفسيرلازال يستند على جملة من النظريات الاجتماعية والسياسية الخاطئة التي كبلت عقل وتفكير العلماء والفلاسفة المسلميين واعاقتهم عن مواكبة مسيرة العقل الانساني الرائدة ...لم يتسائل رجال الدين يوما لماذا هو الاخردائما، من يكتشف ويصنع ويخترع بينما تبقى مهمة المسلميين الافتخار باسبقية الايات القرانية في الاشارة الى هذا الاكتشاف الجديد .كان الجواب دائما ولم يزل هو عدم الايمان بالمنهج والشريعةالاسلامية واتباع قوانينها وغياب دولة الخلافة الاسلامية .
هذا التنظير والتسبيب باحالة التخلف الى غياب الدولة الاسلامية قاد الى تفسير اخر من نوع جديد هو التفسير السياسي للقران ،ولكن هذه المرة تفسيرا يختلف عن التفسير العلمي للقرآن ،ويتعارض معه.فاذا كان العلم ،بالحجة والبرهان غير القابلين للجدل ،قد اغلق امام رجال الدين كل ابواب الهروب الى عوالم الخرافة لتفسير الظواهر الطبيعية واسرار الكون ،فان التطورالاجتماعي والحضاري وطبيعة النظام السياسي يتحمل الكثيرمن النقاش والجدال والمحاججة والاختلاف وتكون مقولة العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية حجتهم الابدية في التصدي لكل ما هو جديد وحديث ،وهي في نفس الوقت ،باب موصدا امام التناول الفكري الجديد لمشالكل العصر والحداثة والتغيير السياسي.
ولما كان التطور الانساني شمل كل مجالات الحياة العلمية والسياسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية لم يجد رجال الدين بد من الولوج الى هذه الساحات المتعددة لينشروا ثقافة من نوع اخر ،ثقافة تفرضها القداسة لتكون سيفها البتار ان حاول احد المساس بها ،ثقافة تحاول تفريغ المفاهيم من مضامينها ومحتوياتها او تستبدلها بفاهيم دينة مشابهة من حيث الشكل ومتقاطعة بل ومضادة من حيث الجوهر.لذلك اتجهة الاسلام السياسي لتفسير القرآن من جديد هذه المرة تفسيرا سياسيا يخدم اغراضهم واطماعهم للوصول الى السلطة والاستيلاء عليها...
لقد كانت اية ،ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،حجر الزاوية في تفسير الاسلام السياسي للقرآن وكذلك في التناول الثقافي والاجتماعي لمشاكل الفرد .والتغيير المنشود والمقصود هو الايمان الديني بما تطرحه الاحزاب الاسلامية في برامجها السياسية ،كما ان هذا الشرح يعتمد على تغير الانسان اولا وليس الواقع الذي يعيش فيه ،فبنظرهم ان الواقع هو نتاج للانسان وليس ان الفكر الانساني هو نتاجا للواقع علاقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية وانعكاسا له،وان العلاقة بين الانسان والواقع علاقة جدلية مترابطة ،يؤثر احدهما في الاخر ..فهل يمكن مثلا بناء الديمقراطية وحقوق الانسان دون السعي لتحسين الوضع الاجتماعي والمعاشي للناس وتوفير كافة المستلزمات الضرورية للحياة...؟
وعملية التغيير المنشود للفرد ،حسب الاسلام السياسي يجب ان تضطلع به الاحزاب الاسلامية ،وكل تغيير اخر لا يعتبر تغييرا ايجابيا ،بل معارضا للاسلام ومعتقداته المنصوص عليها بالقرآن الكريم التي تقول ما خلقت الانس والجن الا ليعبدون .ومن هنا يمكن ملاحظة التناقض الواضح بين الاحزاب العلمانية وبين الاحزاب الدينية ،فمهمة الاحزاب الدينية هي السيطرة على عقول وافئدة الناس وتوجيههم توجيها ايمانيا غيبيا ،وتحميلهم تبعات اخطاء النظام السياسي وكوارث الاسلايب الاقتصادية للانتاج لانهم وحسب رأيهم لم يغيروا ما بأنفسهم ،ولا احد يملك مقياسا او معيارا لسبر نسبةالتغيير والتغيرونسبة الايمان او عدمه في الفرد حتى وان امتلات المساجد بالمصليين كما هو الحال في السعودية وفي ايران او ايام دولة طلبان.
والدين لا يتبع نموذجا سياسيا ناجحا بل يحاول فرض نموذجا يدعي امكانية نجاحه وتفوقه على كل النماذج السياسية المعاشة ،لان القوانيين الدينية وطرق الحياة الاسلامية كما يراها المتدينون هي الاهية الطابع ما جائت الا لخدمة البشر ،كما انها قوانيين مقدسة لا يمكن اتلاعب بها او تغييرها وفق مشيئة الانسان القاصرة عن الفهم والادراك للمشيئة الالاهية..
ولئن استندت بعض الدول الاسلامية على دساتير لتنظيم حياة الناس الا انها اي هذه الدساتير مستندة على تفاسير سياسية يمليها رجال الدين ويدعون استنادها او اشتقاقها من القرآن .وهي محاولة لتغليف الجوهر الديني الايماني بغلاف من المدنية المعاصرة ،مثل الشورى التي يزعمون انها البرلمان الاسلامي ،بل يتمادون اكثر من ذلك بالزعم بان المسلميين لهم السبق باكتشاف وتطبيق الديمقراطية وفق اية وامرهم شورى بينهم .وحسب هذه المقولة والنظرية ،امتلأت الدول الاسلامية بمجالس الشورى المعينة او نصف المنتخبة وفق قوانيين صارمة تستبعد كل من يحمل وجهة نظر مخالفة للنظام الديني المعين من الترشح لمجلس الشورى كما حدث في ايران ،لان الشورى وكما هو مفهوم الاية شورة بين المؤمنيين المعرفيين وفق مصالح النظام الديني الثيوقراطي فقط .
ومهما ادعى الاسلام السياسي بالحرض على العدل والمساواة الا انه لا يقر بمبدا المساواة الفعلية بين الناس ،لا من حيث الجنس او من حيث الانتماء الديني .مستندا على جملة من الاحاديث النبوية التي كانت وفق عرف اجتماعي مفروض اوجبته عقود طويلة من سيطرة الرجل على المرأة وهيمنته عليها،مثل حديث لا خير في قوم ولوا امرهم امراة ،او ايات قرآنية تقول بقيمومة النساء على الرجال ،ان الرجال قوامون على النساء،او وقرن في بيوتكن ،وان كان الواقع قد خفف من التفسير الحقيقى للاية ،الا انها تبقى محتفظة بقوتها وبامكانية اللجوء اليها حين يتطلب الامر ذلك .فلا يمكن تصور المراة رئيس للجمهورية ولا ان تكون قاضية .ونفس الامر ينطبق على الناس من الديانات الاخرى فهل يمكن الاقراربرئاسة مسيحي او يزيدي او صابئي على جمهرة المسلميين .؟ البعض سيجيب بلايجاب لكن هذا البعض لا يشكل اغلبة من يرفضون ذلك وفق تصوراتهم الدينية وموروثاتهم التاريخية التي لا زالت تفعم بالحيوية ،تغذيها الخطب الدينية العدوانية التي تدعو من الله انزال غضبه ونقمته الماحقةعلى اعداء المسلميين .
اذا كان التفسير العلمي للقرآن ايجابيا وتقدميا وتطويعا للمقدس واخضاعه لغير المقدس ،افلا يمكن ان تفسير القرآن من الناحية السياسة وفق مقولات العصرومستجداته وانظمته الحديثةالمبنيةعلى قوانيين الديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان .؟
بالطبع يمكن ذلك ،لا سيما وان القرآن كما يقول الامام الرائد على بن ابي طالب ،حمال اوجه ،وفيه ايضا الكثير من النظرات الايجابية التي يمكن الاستفادة من تطبيقاتها العملية والسياسية اذا خلصت النية ،مثل وخلقناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا،لكن المشكلة ليس في تفسير القرآن فقط بل بسلاح الفتوى الذي يمتلكه رجال يحللون ويحرمون ويجيزون ولا يجيزون وفق اتجاهات افكارهم ومصالحهم وبعدهم او قربهم من الدوائر الحاكمة.بل غدا الدين في ايامنا الحاضرة عملية تقديس لرجاله وليس لفكرته من حيث عبادة الله واطاعة اوامره ...العبادة ظلت كما هي وكما جاء بها الرسول ،لكن اوامر الله تكفلها رجال خالوا ان اوامرهم هي اوامر الله وتعليماته واحكامه لعباده ...ومن هنا نجد سر تعظيم الاسلام السياسي للمراجع الدينية والتاكيد على اهميتهم وعلى استشارتهم والخضوع والامتثال لتعليماتهم واحكامهم الاجتماعية والسياسية التي عادت ما تكون غير متماشية مع متطلبات العصر وهم على العموم ايضا غير مستقليين بأتخاذ قراراتهم او صياغة فتاويهم بصورة مستقلة غير خاضعة للضغوطات ،فهم جزء من شبكة كبيرة لرجال الدين لا يحكمها التوافق بل الماحربة وتصيد الاخطاء والاحتراب ،مثل ما حصل للشيخ طنطازي الذي افتى بخلع الحجاب في فرنسا عملا بقوانيين البلد المرعية ،فشنت عليه حملة هوجاء من كافة انحاء اليلاد الاسلامية .كما ان هذا الترابط والتشابك الديني يجعل من الصعب على رجل الدين التقدمي ان يتحدى الجميع بفتوى تخدم سكان البلد المحكوم بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة لبقية البلدان الاسلامية .ومن هنا نستطيع ان نفهم امتعاظ المسلميين ورجال دينهم من عدم افتاء المرجعية النجفية بالجهاد ضد قوات التحالف .فالتفسير السياسي للقران ينظر الى المسلميين كامة واحدة متجاهليين بلذك كل عوامل الاختلاف اللغوي والاقتصادي ولاجتماعي والتراثي والبيئي والقومي .
وبعد ان فقد الدين وظيفته بصفته مفسرا للظواهر الطبيعية والكونية لا يسمح رجاله ان يفقد وظيفته الباقية الا وهي الوظيفة السياسية والاجتماعية باخضاعه للعلم الاجتماعي والتربوي الحديث ،ولهذا فهم ضد اي نفسير اقدمي جديد للقرآن
عنما تخطى العالم مرحلة الاحاجي والالغاز في تفسير الظواهر الكونية واستطاع العقل البشري ان يسبر الكثير من اغوار العالم اللامتناهي وان يطا بقدميه سطح القمر ويكتشف خارطة الانسان الجينية ويحول كوكبنا الارضي الى قرية صغيرة بفضل سرعة المواصلات والاتصالات انكب المسلمون على دراسة القرآن واكتشافه من جديد ليفسروه تفسيرا علميا وليكتشفوا الله من خلال انجازات الانسان ومعجزاته وليس من خلال معجزات الانبياء التي بقت على حالها لم تتغير ولم تتطور بتطور الخيال القصصي والروائي الشعبي او الخيال العلمي .التفسير العلمي للقران وان كان المقصود به هدفا دينيا للتدليل على عظمة الخالق وقدرته ،لكنه بنفس الوقت يخفف من حالة الاحتراب بين العقل الديني الغيبي وبين العقل العلمي التطبيقي ويجعل من الدين تابعا للعلم وليس العكس .كل تفسيرات القران التي سبقت التقدم العلمي والحضاري لم تكن تشير الى اي اختلاف عن المسلمات القديمة الخاطئة المنقولة من الكتب المقدسة وهي كثيرة وعديدة جدا بتعدد الظواهر الطبيعية واشكال المادة ،من ظاهرة البرق والرعد والمطر او ماهية الشمس والقمر وشكل الارض وعددالسماوات وارجاع الانسان الى اب وام واحدة دون المروربمرحلة التطور ..شيئ حسن ان يختلف مفسرو اليوم عن نظرائهم الاوليين فهم (اي مفسروا اليوم) لا يرغمون الانسان على عدم القبول بكروية الارض ودورانها حول الشمس ،وان شذ البعض منهم مثل ابن باز الذي كفر كل من اعتقد بكروية الارض ودورانها /كما ان بحثهم المستمر لجعل القرآن مناسبا لاعجازات الانسان العلمية يزيل بعض العقبات التي اعتاد الدين ان يضعها امام الفلاسفة والعلماء الطبيعين فيتهمهم بالهرطقة والزندقة ويحكم عليهم بالقتل وقطع الالسن والاصابع.وحسنا ايضا ان يشجع الدين على العلم والتعلم حتى لو كان الهدف اثبات صحة مسلمات ربما تكون خاطئة ،فالعلم هو المحاولة والتجربة والاختبار، النظرية والبرهان ،ومن خلال هذه العملية يتطور الانسان ويكتشف ربما عن طريق الصدفة اشياء ومعارف وحقائق جديدة قد تتعارض مع الدين ،لكن التفسير الجديد للقرآن يحاول ردم هذا التعارض عن طريق اخضاعه للعلم وليس بالعكس.
اصبح من الصعب بل ومن المستحيل انكار الحقائق العلمية ،فلم تعد مجرد فرضيات او نظريات او تاملات خيالية ،لقد اثبت الانسان ذلك بالدليل القاطع والبرهان الساطع واصبحت بديهيات يعرفها حتى الذين لم تتح لهم فرصة التعلم..لكن هذا التفسيرالجديد المستند على انجازات الغير ،الذي لو لم يركن الدين جانبا ويتحرر في مسيرته الشاقة من قيود الاهوت ومسلماته الباطلة ،لما استطاع ان يبهرنا بكل هذه الانجازات البشرية المذهلة ،هذا التفسيرلازال يستند على جملة من النظريات الاجتماعية والسياسية الخاطئة التي كبلت عقل وتفكير العلماء والفلاسفة المسلميين واعاقتهم عن مواكبة مسيرة العقل الانساني الرائدة ...لم يتسائل رجال الدين يوما لماذا هو الاخردائما، من يكتشف ويصنع ويخترع بينما تبقى مهمة المسلميين الافتخار باسبقية الايات القرانية في الاشارة الى هذا الاكتشاف الجديد .كان الجواب دائما ولم يزل هو عدم الايمان بالمنهج والشريعةالاسلامية واتباع قوانينها وغياب دولة الخلافة الاسلامية .
هذا التنظير والتسبيب باحالة التخلف الى غياب الدولة الاسلامية قاد الى تفسير اخر من نوع جديد هو التفسير السياسي للقران ،ولكن هذه المرة تفسيرا يختلف عن التفسير العلمي للقرآن ،ويتعارض معه.فاذا كان العلم ،بالحجة والبرهان غير القابلين للجدل ،قد اغلق امام رجال الدين كل ابواب الهروب الى عوالم الخرافة لتفسير الظواهر الطبيعية واسرار الكون ،فان التطورالاجتماعي والحضاري وطبيعة النظام السياسي يتحمل الكثيرمن النقاش والجدال والمحاججة والاختلاف وتكون مقولة العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية حجتهم الابدية في التصدي لكل ما هو جديد وحديث ،وهي في نفس الوقت ،باب موصدا امام التناول الفكري الجديد لمشالكل العصر والحداثة والتغيير السياسي.
ولما كان التطور الانساني شمل كل مجالات الحياة العلمية والسياسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية لم يجد رجال الدين بد من الولوج الى هذه الساحات المتعددة لينشروا ثقافة من نوع اخر ،ثقافة تفرضها القداسة لتكون سيفها البتار ان حاول احد المساس بها ،ثقافة تحاول تفريغ المفاهيم من مضامينها ومحتوياتها او تستبدلها بفاهيم دينة مشابهة من حيث الشكل ومتقاطعة بل ومضادة من حيث الجوهر.لذلك اتجهة الاسلام السياسي لتفسير القرآن من جديد هذه المرة تفسيرا سياسيا يخدم اغراضهم واطماعهم للوصول الى السلطة والاستيلاء عليها...
لقد كانت اية ،ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،حجر الزاوية في تفسير الاسلام السياسي للقرآن وكذلك في التناول الثقافي والاجتماعي لمشاكل الفرد .والتغيير المنشود والمقصود هو الايمان الديني بما تطرحه الاحزاب الاسلامية في برامجها السياسية ،كما ان هذا الشرح يعتمد على تغير الانسان اولا وليس الواقع الذي يعيش فيه ،فبنظرهم ان الواقع هو نتاج للانسان وليس ان الفكر الانساني هو نتاجا للواقع علاقاته الاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية وانعكاسا له،وان العلاقة بين الانسان والواقع علاقة جدلية مترابطة ،يؤثر احدهما في الاخر ..فهل يمكن مثلا بناء الديمقراطية وحقوق الانسان دون السعي لتحسين الوضع الاجتماعي والمعاشي للناس وتوفير كافة المستلزمات الضرورية للحياة...؟
وعملية التغيير المنشود للفرد ،حسب الاسلام السياسي يجب ان تضطلع به الاحزاب الاسلامية ،وكل تغيير اخر لا يعتبر تغييرا ايجابيا ،بل معارضا للاسلام ومعتقداته المنصوص عليها بالقرآن الكريم التي تقول ما خلقت الانس والجن الا ليعبدون .ومن هنا يمكن ملاحظة التناقض الواضح بين الاحزاب العلمانية وبين الاحزاب الدينية ،فمهمة الاحزاب الدينية هي السيطرة على عقول وافئدة الناس وتوجيههم توجيها ايمانيا غيبيا ،وتحميلهم تبعات اخطاء النظام السياسي وكوارث الاسلايب الاقتصادية للانتاج لانهم وحسب رأيهم لم يغيروا ما بأنفسهم ،ولا احد يملك مقياسا او معيارا لسبر نسبةالتغيير والتغيرونسبة الايمان او عدمه في الفرد حتى وان امتلات المساجد بالمصليين كما هو الحال في السعودية وفي ايران او ايام دولة طلبان.
والدين لا يتبع نموذجا سياسيا ناجحا بل يحاول فرض نموذجا يدعي امكانية نجاحه وتفوقه على كل النماذج السياسية المعاشة ،لان القوانيين الدينية وطرق الحياة الاسلامية كما يراها المتدينون هي الاهية الطابع ما جائت الا لخدمة البشر ،كما انها قوانيين مقدسة لا يمكن اتلاعب بها او تغييرها وفق مشيئة الانسان القاصرة عن الفهم والادراك للمشيئة الالاهية..
ولئن استندت بعض الدول الاسلامية على دساتير لتنظيم حياة الناس الا انها اي هذه الدساتير مستندة على تفاسير سياسية يمليها رجال الدين ويدعون استنادها او اشتقاقها من القرآن .وهي محاولة لتغليف الجوهر الديني الايماني بغلاف من المدنية المعاصرة ،مثل الشورى التي يزعمون انها البرلمان الاسلامي ،بل يتمادون اكثر من ذلك بالزعم بان المسلميين لهم السبق باكتشاف وتطبيق الديمقراطية وفق اية وامرهم شورى بينهم .وحسب هذه المقولة والنظرية ،امتلأت الدول الاسلامية بمجالس الشورى المعينة او نصف المنتخبة وفق قوانيين صارمة تستبعد كل من يحمل وجهة نظر مخالفة للنظام الديني المعين من الترشح لمجلس الشورى كما حدث في ايران ،لان الشورى وكما هو مفهوم الاية شورة بين المؤمنيين المعرفيين وفق مصالح النظام الديني الثيوقراطي فقط .
ومهما ادعى الاسلام السياسي بالحرض على العدل والمساواة الا انه لا يقر بمبدا المساواة الفعلية بين الناس ،لا من حيث الجنس او من حيث الانتماء الديني .مستندا على جملة من الاحاديث النبوية التي كانت وفق عرف اجتماعي مفروض اوجبته عقود طويلة من سيطرة الرجل على المرأة وهيمنته عليها،مثل حديث لا خير في قوم ولوا امرهم امراة ،او ايات قرآنية تقول بقيمومة النساء على الرجال ،ان الرجال قوامون على النساء،او وقرن في بيوتكن ،وان كان الواقع قد خفف من التفسير الحقيقى للاية ،الا انها تبقى محتفظة بقوتها وبامكانية اللجوء اليها حين يتطلب الامر ذلك .فلا يمكن تصور المراة رئيس للجمهورية ولا ان تكون قاضية .ونفس الامر ينطبق على الناس من الديانات الاخرى فهل يمكن الاقراربرئاسة مسيحي او يزيدي او صابئي على جمهرة المسلميين .؟ البعض سيجيب بلايجاب لكن هذا البعض لا يشكل اغلبة من يرفضون ذلك وفق تصوراتهم الدينية وموروثاتهم التاريخية التي لا زالت تفعم بالحيوية ،تغذيها الخطب الدينية العدوانية التي تدعو من الله انزال غضبه ونقمته الماحقةعلى اعداء المسلميين .
اذا كان التفسير العلمي للقرآن ايجابيا وتقدميا وتطويعا للمقدس واخضاعه لغير المقدس ،افلا يمكن ان تفسير القرآن من الناحية السياسة وفق مقولات العصرومستجداته وانظمته الحديثةالمبنيةعلى قوانيين الديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان .؟
بالطبع يمكن ذلك ،لا سيما وان القرآن كما يقول الامام الرائد على بن ابي طالب ،حمال اوجه ،وفيه ايضا الكثير من النظرات الايجابية التي يمكن الاستفادة من تطبيقاتها العملية والسياسية اذا خلصت النية ،مثل وخلقناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا،لكن المشكلة ليس في تفسير القرآن فقط بل بسلاح الفتوى الذي يمتلكه رجال يحللون ويحرمون ويجيزون ولا يجيزون وفق اتجاهات افكارهم ومصالحهم وبعدهم او قربهم من الدوائر الحاكمة.بل غدا الدين في ايامنا الحاضرة عملية تقديس لرجاله وليس لفكرته من حيث عبادة الله واطاعة اوامره ...العبادة ظلت كما هي وكما جاء بها الرسول ،لكن اوامر الله تكفلها رجال خالوا ان اوامرهم هي اوامر الله وتعليماته واحكامه لعباده ...ومن هنا نجد سر تعظيم الاسلام السياسي للمراجع الدينية والتاكيد على اهميتهم وعلى استشارتهم والخضوع والامتثال لتعليماتهم واحكامهم الاجتماعية والسياسية التي عادت ما تكون غير متماشية مع متطلبات العصر وهم على العموم ايضا غير مستقليين بأتخاذ قراراتهم او صياغة فتاويهم بصورة مستقلة غير خاضعة للضغوطات ،فهم جزء من شبكة كبيرة لرجال الدين لا يحكمها التوافق بل الماحربة وتصيد الاخطاء والاحتراب ،مثل ما حصل للشيخ طنطازي الذي افتى بخلع الحجاب في فرنسا عملا بقوانيين البلد المرعية ،فشنت عليه حملة هوجاء من كافة انحاء اليلاد الاسلامية .كما ان هذا الترابط والتشابك الديني يجعل من الصعب على رجل الدين التقدمي ان يتحدى الجميع بفتوى تخدم سكان البلد المحكوم بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة لبقية البلدان الاسلامية .ومن هنا نستطيع ان نفهم امتعاظ المسلميين ورجال دينهم من عدم افتاء المرجعية النجفية بالجهاد ضد قوات التحالف .فالتفسير السياسي للقران ينظر الى المسلميين كامة واحدة متجاهليين بلذك كل عوامل الاختلاف اللغوي والاقتصادي ولاجتماعي والتراثي والبيئي والقومي .
وبعد ان فقد الدين وظيفته بصفته مفسرا للظواهر الطبيعية والكونية لا يسمح رجاله ان يفقد وظيفته الباقية الا وهي الوظيفة السياسية والاجتماعية باخضاعه للعلم الاجتماعي والتربوي الحديث ،ولهذا فهم ضد اي نفسير اقدمي جديد للقرآن