الحمْدُ للّهِ ربِّ العالَمينَ والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنَا مُحَمَّد أشرَفِ المُرسَلينَ. وبعد، فقد ظهر في أيامنا هذه من ينسب نفسه إلى السلف الصالح، ويضرب القرءان بعضه ببعض، والحديث الشريف بعضه ببعض لشدة جهلهم وعمايتهم ويصفون الله بالجسمية والجهة والجلوس والانتقال نزولا بالحركة وصعودا وغير ذلك مما لا يجوز نسبته إلى الله تعالى مما هو من علامات الحدوث.
أما السلف الصالح فقد كانوا ينفون عن الله المكان والحركة والسكون والانتقال وسائر صفات المخلوقين، وكل هذا يعطيه قول الله سبحانه وتعالى: ] ليس كمثله شيء[ [1] .
قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن [2] : يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، ووأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: ]ليس كمثله شيء[ وقال]ولم يكن له كفوا أحد[ وقال ]هل تعلم له سميا[. ا.هـ.
وأما حديث النزول الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظ البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه رسول الله قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)) [3] ، فلا يجوز أنيحمل على ظاهره لإثبات النزول من علو إلى سفل في حق الله تعالى.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم [4] : "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
ويبطل ما ذهبت إليه المشبهة من اعتقاد نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا أن بعض رواة البخاري ضبطوا كلمة )يُنزِل( بضم الياء وكسر الزاي، فيكون المعنى نزول المَلَك بأمر الله الذي صرح به في رواية النسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد من أن الله يأمر ملكا بأن ينزل فينادي، فتبين أن المشبهة ليس لها حجة في هذا الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري [5] "وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزِل ملَكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له(( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد )) ينادي مناد هل من داع يستجاب له(( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…
وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته." انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وفي شرحه على موطإ الإمام مالك [6] نقل الزرقاني ما نقله ابن حجر عن ابن العربي وابن فورك وزاد ما نصه: "وكذا حكى عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملِك كذا أي أتباعه بأمره." انتهى كلام الزرقاني.
قال رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة )ت ٧٢٧ هـ( في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" [7] ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه، لوجوه:
الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدَثات ويحتاج إلى ثلاثة: منتقِل، ومنتقَل عنه ومنتقَل إليه، وذلك على الله تعالى محال.
الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.
الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.
وقال الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب" [8] بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".
وقال أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي [9] ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى: ]وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة[ أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: ]وكلم الله موسى تكليما[ فخص موسى بوصف كليم الله"
وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث [10] : "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"
وروى البيهقي بإسناده عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال [11] : "سألني ابن طاهر عن حديث النبي e -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف"
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن في كتابه "الأسماء والصفات" عند ذكر هذا الحديث [12] : " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله e من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: ]وجاء ربُّك[ والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.
وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري )ت ٤٠٣ هـ( ما نصه [13] : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ وقوله:]ولم يكن له كفوا أحد[ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
وقال المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي )ت ٦٧١ هـ( في تفسيره ما نصه [14] : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
أما السلف الصالح فقد كانوا ينفون عن الله المكان والحركة والسكون والانتقال وسائر صفات المخلوقين، وكل هذا يعطيه قول الله سبحانه وتعالى: ] ليس كمثله شيء[ [1] .
قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن [2] : يجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى، ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، ووأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف، فقد قال: ]ليس كمثله شيء[ وقال]ولم يكن له كفوا أحد[ وقال ]هل تعلم له سميا[. ا.هـ.
وأما حديث النزول الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ولفظ البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه رسول الله قال: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)) [3] ، فلا يجوز أنيحمل على ظاهره لإثبات النزول من علو إلى سفل في حق الله تعالى.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم [4] : "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما وهو مذهب السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق، والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي على أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته، كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره، والثاني: أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف." انتهى كلام النووي.
ويبطل ما ذهبت إليه المشبهة من اعتقاد نزول الله بذاته إلى السماء الدنيا أن بعض رواة البخاري ضبطوا كلمة )يُنزِل( بضم الياء وكسر الزاي، فيكون المعنى نزول المَلَك بأمر الله الذي صرح به في رواية النسائي من حديث أبي هريرة وأبي سعيد من أن الله يأمر ملكا بأن ينزل فينادي، فتبين أن المشبهة ليس لها حجة في هذا الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري [5] "وقال ابن العربي النزول راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته بل ذلك عبارة عن مَلَكه الذي ينزل بأمره ونهيه." ثم قال: "والحاصل أنه تأوله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أو الملك بأمره، وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. وحكى ابن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنزِل ملَكا قال الحافظ ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد )) أن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له(( الحديث، وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد )) ينادي مناد هل من داع يستجاب له(( الحديث، قال القرطبي وبهذا يرتفع الإشكال…
وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته." انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وفي شرحه على موطإ الإمام مالك [6] نقل الزرقاني ما نقله ابن حجر عن ابن العربي وابن فورك وزاد ما نصه: "وكذا حكى عن مالك أنه أوله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملِك كذا أي أتباعه بأمره." انتهى كلام الزرقاني.
قال رئيس القضاة الشافعية في مصر في زمانه بدر الدين بن جماعة )ت ٧٢٧ هـ( في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" [7] ما نصه: " اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه، لوجوه:
الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدَثات ويحتاج إلى ثلاثة: منتقِل، ومنتقَل عنه ومنتقَل إليه، وذلك على الله تعالى محال.
الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئا فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلا نهارا، من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل.
الثالث، أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين: إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين." انتهى كلام ابن جماعة.
وقال الحافظ المتبحر عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في كتابه "الباز الأشهب" [8] بعد ذكر حديث النزول ما نصه: "إنه يستحيل على الله عزَّ وجلَّ الحركة والنقلة والتغيير. وواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة وأن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام جسم عال وهو مكان الساكن وجسم سافل وجسم ينتقل من علو إلى أسفل وهذا لا يجوز على الله قطعا".
وقال أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على الترمذي [9] ما نصه: "ثم إن الذي يتشبث بظاهر ما جاء في حديث النزول في الرواية المشهورة أن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له من الثلث الأخير إلى الفجر، هو جاهل بأساليب اللغة العربية، وليس له مهرب من المحال الشنيع كما نص عليه الخطابي، ويلزم على ما ذهب إليه من التشبث بالظاهر أن يكون معنى قوله تعالى: ]وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة[ أن ءادم وحواء التي لم تكن نبية قط سمعا كلام الله الذاتي الذي ليس بحرف ولا صوت مساويين لموسى على زعم المشبهة المتمسكين بالظواهر، فلو كان الأمر كذلك لم يبق لنبي الله موسى مزية، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ قال: ]وكلم الله موسى تكليما[ فخص موسى بوصف كليم الله"
وقال القسطلاني في شرحه على البخاري عند ذكره لهذا الحديث [10] : "هو نزول رحمة ومزيد لطفٍ وإجابة دعوة وقبول معذرة، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله فهو نزول معنوي" ثم قال "نعم يجوز حمله على الحسي ويكون راجعا إلى ملَكه الذي ينزل بأمره ونهيه"
وروى البيهقي بإسناده عن الإمام إسحاق بن راهويه وهو من أئمة السلف أنه قال [11] : "سألني ابن طاهر عن حديث النبي e -يعني في النزول- فقلت له النزول بلا كيف"
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ) ت ٤٥٨ هـ( صاحب السنن في كتابه "الأسماء والصفات" عند ذكر هذا الحديث [12] : " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله e من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: ]وجاء ربُّك[ والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقوله المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى كلام البيهقي.
وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري )ت ٤٠٣ هـ( ما نصه [13] : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: ]ليس كمثله شيء[ وقوله:]ولم يكن له كفوا أحد[ ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك". ا.هـ.
وقال المفسر محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المالكي )ت ٦٧١ هـ( في تفسيره ما نصه [14] : "والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشىء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".