هوامش مصرية
1- الصينيون ليسوا قادمون
العم خلف رجل جدير بالاحترام رغم كل شيء... فهو يعمل في نفس المنطقة التي أسكن بها كسائس جراج يقوم بتلميع السيارات كل صباح وبعد أن ينصرف كل "البهوات" يقوم العم خلف بعمل الشاي لكل الحرفيين تقريبا من نجارين وعمال وحتى لأطفال المدارس الذين قاموا – كالعادة- بالتزويغ من المدارس وبالإضافة إلى ذلك يقوم العم خلف بتصليح كل شيء وإحضار الطلبات للنساء "الشمطاوات" اللواتي يخاطبنه من الشرفات هذا غير أنه يقوم بتربية المواشي في قريته ....
وفي عصر كل يوم يأتي العم وانج, مندوب المبيعات الصيني, ويجلس مع العم خلف على قالبين من الطوب ليحتسي الشاي المجاني في الغالب وهو يجفف عرقه ويشرد بعيدا...
كل يوم تقريبا أرى هذا المشهد... وقد يبدو منظر الرجلين الجالسين من بعيد كأنهما صديقين حميمين يتبادلان حديثا خاصا ولكنك إذا اقتربت من المشهد يمكنك ملاحظة أن الرجلان لا يتبادلان حرفا واحدا رغم مدة الجلوس الطويلة... هذا هو حوار الحضارات الذي يتحدثون عنه, فلا يمكنني أن أرى في هذا المشهد – الذي صار مألوفا في مصر هذه الأيام- أي لغة مشتركة بين الطرفين سواء كانت العربية أو الصينية أو حتى الانجليزية ...
منذ فترة كنت أترجم مقالات نشرتها صحيفة الايكونوميست وكان عنوان المقال يقول "الصينيون قادمون" ويتحدث المقال عن اقتصاد "ذوي الأعين الضيقة" الذي ينمو بشكل غير مسبوق وملحوظ على كل المستويات الاقتصادية العالمية, ولكن دعني أخبرك سرا صغيرا: الصينيون ليسوا قادمون ... صحيح بأني لا أفهم كثيرا في الاقتصاد لكن يبدو أن الساسة في بكين يخلطون كثيرا بين مفهومي "النمو الاقتصادي" و "التنمية الاقتصادية" ... استطيع أن أرى ذلك في لغة الشقاء التي ترتسم على ملامح الأخ "وانج" وهو جالس يعزف سيمفونية الصمت مع العم خلف في ذلك الجراج... هذا رجل جاء من الجانب الآخر في الكرة الأرضية ليعمل مندوبا للمبيعات في بلد يعاني شبابها البطالة أصلا ولست ادري من هو المسئول الأحمق عن ذلك ... صحيح باني أحب مصر لكني لا أعرف ما هو الشعور بالانتماء حين أفكر فيها ... كفرد في الشعب المصري أرى كل صباح عناوين الجرائد التي لا تكف عن رفع شعار "المشاركة " والحزب الوطني والديمقراطية وكل هذا الهراء الذي كانت ستصفه جدتي لو كانت تعيش حتى الآن بجملة " لا يودي ولا يجيب" ...
أذكر حين ذهب وزير خارجية مصر "أحمد ماهر" إلى فلسطين واستقبله الإخوة – العرب- في حركة حماس بالهجوم على "سفير دولة الكفار" وكانت الجموع تحتشد حول الرجل الكبير في السن الذي بدا من الواضح عجزه عن التنفس من فرط الزحام حوله غير دلائل ضعف القلب الواضحة على وجهه ... لكني كنت أشاهد الموقف بلا أي تعاطف ... هذا وزير خارجية بلد المفترض أنه بلدي لكني لم أنتخبه ولا أعرف ما هي حيثياته ولا أهميته... قس على ذلك كل الاعتبارات والقرارات المتخذة في مصر تحت دعوى الديمقراطية ... كل المؤشرات تقول بعدم تعويم الجنيه لكن السادة في بلادنا يقومون بتعويم الجنيه... كل الملاحظات تقول بعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل فيقوم السادة بتطبيعها ... كل الدلائل تقول لا تطبقوا اتفاقية الكويز لكن السادة يقومون بتوقيع الكويز... هل هذه هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها؟ هل كنت أنا ممن شاركوا في انتخاب الرئيس مبارك؟ لا أعتقد ذلك ولا أعتقد أن الكثيرين فعلوا ذلك لكن رغم كل شيء يفوز الأخ مبارك بالنسبة الانتخابية الغير مسبوقة وهي 99.99 % من الأصوات ... الحقيقة أن هذه ليست بلادنا ولا أعتقد أنها ستكون كذلك ذات يوم .
2- مروة الشربيني
ذلك الوجه المصري الصميم الأسمر الذي يمكنك أن ترى من خلاله النخيل والنيل وهرم خوفو ذاته ... لست أدري أين هي الحكومة المصرية, حكومة الأخ أحمد نظيف, وأين هو وزير خارجيتنا الذي لا أعرف ما هي مهمته بالضبط من موضوع اغتيال مروة الشربيني؟ يبدو أن الإخوة في هايدلبرج وكل "فريتز" في ألمانيا تعلموا اللعبة الأمريكية التي تنص – تبعا لحكمة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أو كما يدللونها "مس كوندي" – التي تنص على أن العرب مثلهم مثل الهنود الحمر وبدائيو استراليا يجب أن يبادوا حرفيا ... الغريب أن المجرم الذي فعل ذلك فعله بدافع من "الوطنية" الشديدة التي تجزم بأن الدكتورة مروة الشربيني إرهابية... يبدو أن الأخ فريتز قد نسى أن الشعب الألماني هو الشعب النازي لو لم تخني الذاكرة والتاريخ يشهد من هو الإرهابي... الطريف أن الشرطة الألمانية – أم أقول النازية؟- قامت بإطلاق النار على زوجها عندما جرى محاولا الدفاع عن زوجته التي سقطت على أرضية المحكمة مضرجة في دمائها... لو كان هذا قد حدث لجندي أمريكي أو إسرائيلي كيف سيكون رد فعل حكومته؟ هل ستشجب وتستنكر ثم تكتفي بذلك كحكومتنا المصرية؟ هذا موقف يتطلب إجابة من الأخ أحمد نظيف ويقودنا بالتالي إلى ما يلي:
3- حسن نصر الله
لم تكد عيناي تقعان على حسن نصر الله بملامحه العذبة التي تشوبها مسحة بسيطة من المكر الطفولي ولحيته الأنيقة حتى أحببته على الفور كآلاف من العرب... هذا رجل ليس مغرورا واهما مثل صدام حسين وليس "بياع كلام" كالأخ أيمن الظواهري... عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عقدها على بناء سد على نهر الليطاني كان رد حزب الله على لسان نصر الله سريعا ومقتضبا وحاسما قال فيه:
"أي توجه من القوات الإسرائيلية نحو العمق اللبناني سيقابل بمنتهى الحسم والرد العسكري على تل أبيب نفسها"
عندها ماذا كان تصريح الأخ شارون؟؟؟ لقد قال شارون بالحرف الواحد:
"ن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت الذي تراه مناسبا" وأنا الذي كنت أظن أن هذا الكلام قاصر على حكوماتنا العربية فحسب؟ ربنا معاك يا أخ حسن والله
قد يقول بعض الإخوة أن حسن نصر الله عبارة عن مجرد "فزاعة إيرانية" أو يتحدثون عن أنه شيعي وما إلى ذلك ولكن الحقيقة أن هذا الوقت ليس وقت هذه المناقشات, فالأمر في بلادنا العربية لا يتحمل الدخول في فتنة طائفية في ظل عدم وجود أي مقاومة سليمة أو منظمة أو قادرة سوى المقاومة اللبنانية, فليصمت إذن كل غربان البين وقت الحرب فالمقاومة في لبنان غنية عن سيوفهم وذهبهم, فلست أرى أنه من الممكن أن نكتب الشعر في مقاوم مثل جيفارا ثم نسيء إلى مقاوم عربي بقدر حسن نصر الله.... جتنا ستين نيلة
هامش أخير:
أطرف ما يحدث في رمضان هو صوت أذان المغرب ويليه دعاء الشعراوي الشهير ثم بعد صوت الشعراوي الذي يمس كل خلية فيك تجد من يبرز على شاشة التليفزيون وهي ترتدي ثوبا يكشف عن نصف صدرها تقريبا وتضع على وجهها كل طلاء وجدته لتقول لك بأنها تتمنى لك صوما مقبولا....
1- الصينيون ليسوا قادمون
العم خلف رجل جدير بالاحترام رغم كل شيء... فهو يعمل في نفس المنطقة التي أسكن بها كسائس جراج يقوم بتلميع السيارات كل صباح وبعد أن ينصرف كل "البهوات" يقوم العم خلف بعمل الشاي لكل الحرفيين تقريبا من نجارين وعمال وحتى لأطفال المدارس الذين قاموا – كالعادة- بالتزويغ من المدارس وبالإضافة إلى ذلك يقوم العم خلف بتصليح كل شيء وإحضار الطلبات للنساء "الشمطاوات" اللواتي يخاطبنه من الشرفات هذا غير أنه يقوم بتربية المواشي في قريته ....
وفي عصر كل يوم يأتي العم وانج, مندوب المبيعات الصيني, ويجلس مع العم خلف على قالبين من الطوب ليحتسي الشاي المجاني في الغالب وهو يجفف عرقه ويشرد بعيدا...
كل يوم تقريبا أرى هذا المشهد... وقد يبدو منظر الرجلين الجالسين من بعيد كأنهما صديقين حميمين يتبادلان حديثا خاصا ولكنك إذا اقتربت من المشهد يمكنك ملاحظة أن الرجلان لا يتبادلان حرفا واحدا رغم مدة الجلوس الطويلة... هذا هو حوار الحضارات الذي يتحدثون عنه, فلا يمكنني أن أرى في هذا المشهد – الذي صار مألوفا في مصر هذه الأيام- أي لغة مشتركة بين الطرفين سواء كانت العربية أو الصينية أو حتى الانجليزية ...
منذ فترة كنت أترجم مقالات نشرتها صحيفة الايكونوميست وكان عنوان المقال يقول "الصينيون قادمون" ويتحدث المقال عن اقتصاد "ذوي الأعين الضيقة" الذي ينمو بشكل غير مسبوق وملحوظ على كل المستويات الاقتصادية العالمية, ولكن دعني أخبرك سرا صغيرا: الصينيون ليسوا قادمون ... صحيح بأني لا أفهم كثيرا في الاقتصاد لكن يبدو أن الساسة في بكين يخلطون كثيرا بين مفهومي "النمو الاقتصادي" و "التنمية الاقتصادية" ... استطيع أن أرى ذلك في لغة الشقاء التي ترتسم على ملامح الأخ "وانج" وهو جالس يعزف سيمفونية الصمت مع العم خلف في ذلك الجراج... هذا رجل جاء من الجانب الآخر في الكرة الأرضية ليعمل مندوبا للمبيعات في بلد يعاني شبابها البطالة أصلا ولست ادري من هو المسئول الأحمق عن ذلك ... صحيح باني أحب مصر لكني لا أعرف ما هو الشعور بالانتماء حين أفكر فيها ... كفرد في الشعب المصري أرى كل صباح عناوين الجرائد التي لا تكف عن رفع شعار "المشاركة " والحزب الوطني والديمقراطية وكل هذا الهراء الذي كانت ستصفه جدتي لو كانت تعيش حتى الآن بجملة " لا يودي ولا يجيب" ...
أذكر حين ذهب وزير خارجية مصر "أحمد ماهر" إلى فلسطين واستقبله الإخوة – العرب- في حركة حماس بالهجوم على "سفير دولة الكفار" وكانت الجموع تحتشد حول الرجل الكبير في السن الذي بدا من الواضح عجزه عن التنفس من فرط الزحام حوله غير دلائل ضعف القلب الواضحة على وجهه ... لكني كنت أشاهد الموقف بلا أي تعاطف ... هذا وزير خارجية بلد المفترض أنه بلدي لكني لم أنتخبه ولا أعرف ما هي حيثياته ولا أهميته... قس على ذلك كل الاعتبارات والقرارات المتخذة في مصر تحت دعوى الديمقراطية ... كل المؤشرات تقول بعدم تعويم الجنيه لكن السادة في بلادنا يقومون بتعويم الجنيه... كل الملاحظات تقول بعدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل فيقوم السادة بتطبيعها ... كل الدلائل تقول لا تطبقوا اتفاقية الكويز لكن السادة يقومون بتوقيع الكويز... هل هذه هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها؟ هل كنت أنا ممن شاركوا في انتخاب الرئيس مبارك؟ لا أعتقد ذلك ولا أعتقد أن الكثيرين فعلوا ذلك لكن رغم كل شيء يفوز الأخ مبارك بالنسبة الانتخابية الغير مسبوقة وهي 99.99 % من الأصوات ... الحقيقة أن هذه ليست بلادنا ولا أعتقد أنها ستكون كذلك ذات يوم .
2- مروة الشربيني
ذلك الوجه المصري الصميم الأسمر الذي يمكنك أن ترى من خلاله النخيل والنيل وهرم خوفو ذاته ... لست أدري أين هي الحكومة المصرية, حكومة الأخ أحمد نظيف, وأين هو وزير خارجيتنا الذي لا أعرف ما هي مهمته بالضبط من موضوع اغتيال مروة الشربيني؟ يبدو أن الإخوة في هايدلبرج وكل "فريتز" في ألمانيا تعلموا اللعبة الأمريكية التي تنص – تبعا لحكمة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أو كما يدللونها "مس كوندي" – التي تنص على أن العرب مثلهم مثل الهنود الحمر وبدائيو استراليا يجب أن يبادوا حرفيا ... الغريب أن المجرم الذي فعل ذلك فعله بدافع من "الوطنية" الشديدة التي تجزم بأن الدكتورة مروة الشربيني إرهابية... يبدو أن الأخ فريتز قد نسى أن الشعب الألماني هو الشعب النازي لو لم تخني الذاكرة والتاريخ يشهد من هو الإرهابي... الطريف أن الشرطة الألمانية – أم أقول النازية؟- قامت بإطلاق النار على زوجها عندما جرى محاولا الدفاع عن زوجته التي سقطت على أرضية المحكمة مضرجة في دمائها... لو كان هذا قد حدث لجندي أمريكي أو إسرائيلي كيف سيكون رد فعل حكومته؟ هل ستشجب وتستنكر ثم تكتفي بذلك كحكومتنا المصرية؟ هذا موقف يتطلب إجابة من الأخ أحمد نظيف ويقودنا بالتالي إلى ما يلي:
3- حسن نصر الله
لم تكد عيناي تقعان على حسن نصر الله بملامحه العذبة التي تشوبها مسحة بسيطة من المكر الطفولي ولحيته الأنيقة حتى أحببته على الفور كآلاف من العرب... هذا رجل ليس مغرورا واهما مثل صدام حسين وليس "بياع كلام" كالأخ أيمن الظواهري... عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية عقدها على بناء سد على نهر الليطاني كان رد حزب الله على لسان نصر الله سريعا ومقتضبا وحاسما قال فيه:
"أي توجه من القوات الإسرائيلية نحو العمق اللبناني سيقابل بمنتهى الحسم والرد العسكري على تل أبيب نفسها"
عندها ماذا كان تصريح الأخ شارون؟؟؟ لقد قال شارون بالحرف الواحد:
"ن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت الذي تراه مناسبا" وأنا الذي كنت أظن أن هذا الكلام قاصر على حكوماتنا العربية فحسب؟ ربنا معاك يا أخ حسن والله
قد يقول بعض الإخوة أن حسن نصر الله عبارة عن مجرد "فزاعة إيرانية" أو يتحدثون عن أنه شيعي وما إلى ذلك ولكن الحقيقة أن هذا الوقت ليس وقت هذه المناقشات, فالأمر في بلادنا العربية لا يتحمل الدخول في فتنة طائفية في ظل عدم وجود أي مقاومة سليمة أو منظمة أو قادرة سوى المقاومة اللبنانية, فليصمت إذن كل غربان البين وقت الحرب فالمقاومة في لبنان غنية عن سيوفهم وذهبهم, فلست أرى أنه من الممكن أن نكتب الشعر في مقاوم مثل جيفارا ثم نسيء إلى مقاوم عربي بقدر حسن نصر الله.... جتنا ستين نيلة
هامش أخير:
أطرف ما يحدث في رمضان هو صوت أذان المغرب ويليه دعاء الشعراوي الشهير ثم بعد صوت الشعراوي الذي يمس كل خلية فيك تجد من يبرز على شاشة التليفزيون وهي ترتدي ثوبا يكشف عن نصف صدرها تقريبا وتضع على وجهها كل طلاء وجدته لتقول لك بأنها تتمنى لك صوما مقبولا....