مديرها رجل وفنيوها رجال ومشروعها ضد الاختلاط: قناة للمنقبات فقط!




مديرها رجل وفنيوها رجال ومشروعها ضد الاختلاط: قناة للمنقبات فقط! Bf22090742




انشغلت
المواقع الالكترونية العربية بخبر إطلاق قناة ‘ماريا’ الفضائية الجديدة
التي تحمل عنواناً بريدياً وهاتفياً منطلقاً من مصر، والتي ستبدأ بثها
اوائل الشهر المقبل وستدار من قبل ‘الشيخة صفاء’
ويمنع
على الرجال وغير المنتقبات من النساء العمل فيها. وبناء على تبرير الشيخة
صفاء المديرالعام للقناة، الدافع لإنشائها هو لتفعيل دور المرأة
‘المنتقبة’ التى تعانى التهميش. أضافت الشيخة أن قناة ‘ماريا’ ستكون قناة
فضائية نسائية بحتة ولا يجوز للرجال التدخل في سياستها العامة اونوعية
برامجها وأنه حتى صاحب القناة سيكون له دور استشاري فقط بحكم خبرته
الاعلامية والعلمية، اما شؤون القناة فستتولاها ‘الأخوات’ القائمات على
ادارة القناة. بخصوص اسم القناة قالت الشيخة صفاء أنه تمت تسميتها ماريا،
تيمنا باسم السيدة ماريا القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم.

من
جانبه قال صاحب القناة، الشيخ ابو اسلام احمد محمد عبدالله، وهو مالك قناة
‘الأمة’ أيضاً، أن قناة ماريا ستوظف الفتيات المسلمات المتخرجات من كليات
واقسام الاعلام المختلفة ‘لحمايتهن من الفتن’ بايجاد فرص عمل لهن. وأعلنت
القناة على شبكة الانترنت من خلال يوتيوب، عن توفر فرص عمل للمنقبات من
جميع الاختصاصات وأنها تستقبل طلبات العمل بأجر والمتطوعات بلا أجر. وفي
لقاء صحفي مع الشيخ صاحب القناة قال أنهم استقدموا متخصصات من قنوات أخرى
لتدريب المنقبات الجديدات على أعمال الانتاج والإخراج لكن المهارات الفنية
ستكون من نصيب العاملين من الرجال.

موضوع
الاستثمار في دهاليز الإعلام باسم الإسلام أمر فلت من عقاله، وهذا المشروع
بالذات هجين على المنطق الإعلامي والعقائدي. نبتت في الوطن العربي عشرات
الفضائيات التي تبث باسم الدين تحت مسميات وأشكال مختلفة وتكاثرت كما
يتكاثر الفطر بعد عاصفة رعدية. وتعتبر الغالبية العظمى منها مشاريع
استثمارية تستقطب قطاعات معينة من المجتمع تستخدم معها ما يخصها من أساليب
استقطاب المال عبر الدعايات والتسويق والإعلانات التي ينشغل بمحتواها
القطاع المستهدف، بدءا من إعلانات العطارة و الطب الشعبي، مروراً بتفسير
الأحلام، وانتهاء بإصلاح السلوكيات. فهل نحن حقاً بحاجة لقناة مخصصة
للمنقبات فقط، أم أن ‘ماريا’ مشروع اقتصادي آخر يرتدي عباءة إسلامية تم
إعادة تقييفها؟

كيف
نتيمن باسم ماريا زوجة الرسول عليهما صلاته وسلامه، وزوجته كانت مسيحية
قبطية وأن نطلق اسمها على القناة وفي ذات الوقت نحظر على الزميلات
الإعلاميات المسيحيات المؤهلات للعمل من حق التقدم لشغل وظيفة في القناة.
هل كانت قناة ‘ماريا’ لترفض طلب عمل لو قدمته إحدى شقيقات زوجة الرسول.
وإن كان حقاً هناك فتنة في العمل، ألا تستحق النساء غير المنقبات المساعدة
والوقاية والحماية من الفتن؟ هل ينتهج صاحب الاستثمار أسلوب تأديب النساء
المؤهلات إعلامياً بحرمانهن من فرصة العمل الشريف وفرصة الحماية من الوقوع
في الفتنة المفترضة، لمجرد أنهن رفضن طرحه العقائد- إقتصادي الخاص. هل
المنقبات فقط أهل للحماية من الفتنة وهل يضمن النقاب أهليتهن لهذه
المعاملة الخاصة؟ إن كان مالك القناة كما ادعت الحاجة صفاء له دراية علمية
بالإعلام، لماذا يستند على عكاز قشرة المظهر متنازلاً عن أهم أركان العمل
الإعلامي الذي يضمن نجاح المشروع ألا وهو الكفاءة.

الملفت
للنظر أن مشروع القناة يدل على ضعف في أبجديات الإعلام وتناقضات أكثر من
أن تحصى. من ضمنها، استبدال الألقاب المهنية بألقاب دينية. مسميات الشيخة،
والأخوات، والشيخ، والداعية، والمرشدات، والواعظات، التي وردت في لقاءات
الشيخ والحاجة من أجل الإعلان عن هذا المشروع الإعلامي، جميعها ألقاب
دخيلة على المهنة. هناك ألقاب متعارف عليها في هذا المجال مثل مدير
فضائية، منتج، مخرج، فني إضاءة أو فني صوت. لكن المسميات التسييسية التي
ابتدعت في عصور مختلفة تحت عباءات المعتقدات والاجتهادات أمر مرفوض في
مجال الإعلام الذي يفترض أن يعكس عمقاً ودراية في الثقافة المهنية. ستكون
مهزلة لو أضاف الإعلاميون على سيراتهم الذاتية مراحل التمشيخ من عام كذا
إلى عام كذا واكتساب خبرة في تخريج أفواج من الأخوات.

المشروع
الذي أعلن عنه بأنه خاص بالنساء فقط وبأنه يدار ويساس كلياً بأيدي الشيخات
والأخوات، وإعلانه الذي لا يشترط الكفاءة المهنية أو العملية، اتضح أنه
ادعاء باطل، وهذا معيب في حق مشروع يقام تحت مظلة هوية إسلامية. والدليل
القاطع جاء باعتراف صريح من صاحب القناة شخصياً بأن الفنيين ذكور. فكيف
يتم الترويج لقناة تدار كلياً من قبل جحافل من النساء المنقبات، بينما في
الواقع ينحصر دورهن في الظهور على الشاشة لتقديم البرامج فقط أو القيام
ببعض الوظائف الإدارية في حين يستند هذا المشروع الإعلامي على كفاءة
الرجال الإبداعية والتقنية. إضافة إلى أن صاحب القناة ومديرها الفعلي رجل،
ومن السخف افتراض أنه يدير مؤسسته من خلال الضرب في الودع أو قراءة
الفنجان. لا بد وأنه يلتقي على الأقل بالإداريات لبحث بعض شؤون القناة.
فهل مالك القناة أو المستثمر مستثنى من القاعدة التي رسمها هو شخصياً
للآخرين بعدم اختلاط النساء بالرجال لحمايتهن من الفتن؟

إن
كان الشيخ يريد معالجة ما وصفه ‘بتهميش’ المنقبات، كان باستطاعته اختصار
الوقت والجهد وتحقيق بأقل تكلفة ممكنة من خلال السماح لهن بالعمل في قناته
الأولى. ما الفرق بين العمل في قناة الأمة وقناة ماريا إن كان المالك
واحد، والعاملين في المجال التقني هم ذات الرجال أيضاً. هل النية من
افتتاح هذه القناة بدلاً من توسعة نطاق عمل القناة الأولى هو إنصاف للنساء
المنقبات حقاً، أم هو استغلال ومتاجرة بصورتهن في مشروع اقتصادي بحت. وهذا
ينقلنا إلى الإعلان الذي ذكر المتطوعات للعمل في القناة. لماذا يتم طرح
فكرة التطوع بوجود قناة ربحية لها مداخيل من الإعلانات والتسويق والترويج.
إن التلويح بفكرة التطوع مقرونة بمفردات المشيخة والأخوات والواعظات هو
استغلال مبطن لكفاءات النساء التي تدعي القناة أنها أنشأت من أجل إيجاد
فرص عمل لهن لعصمتهن من الفتنة من خلال توفير موارد رزق لهن.

لا
يختلف اثنان على أن مشاريع الفضائيات تعتمد على إعلام الصورة المتحركة.
فإن كان ما يظهر على الشاشة هو أشكال أجساد آدمية غير معروفة الملامح
ومغطاة باللون الأسود، أما كان من الأفضل التفكير بمشروع محطة إذاعية
تعتمد على نقل الصوت فقط؟ لكن لأن الهدف من انشاء محطة للمنقبات فقط، هدفه
في الدرجة الأولى ربحي لاستقطاب دعايات العبايات ومتعلقات اقتصاد الطب
الشعبي والتسجيلات الدينية ورحلات العمرة، اقتضى الأمر اختراع مشروع مرئي
لا مسموع.

كإعلامية
مسلمة عملت في الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع على امتداد سنوات طويلة،
أرفض التمييز في معايير التوظيف بناء على الجنس أو المذهب أو المظهر. لأن
كل فرد لا يجد قوت يومه معرض للفتن بما في ذلك الرجال، وأقصد بالفتن،
الفساد بجميع أشكالها بما فيها الرشوة والسرقة وعدم اتقان العمل، ولا أقصد
الفتنة التي شكلها إعلام التشدد وحصرها في كبسولة الوقوع في شرك حرمات
الجسد من معاصي، لأن في معالجة البطالة ووأد الفقر عصمة ليس للفرد فقط، بل
وللأسرة والمجتمع. لذلك أرى في المشاريع التي تجاهر بحرمانها للمرأة غير
المنقبة من فرصة العمل، مشاريع متاجرة ذكورية بحاجة النساء إلى العمل، ولا
تختلف في سياساتها عن المشاريع الربحية التي تعتمد على تعرية المرأة
والمتاجرة بجسدها. فأي مشروع إعلامي يشترط على المرأة مظهراً مرتبطاً
بتشييء المرأة أو مبني على اسقاطات الجنس هو أمر يجب وقف تغولّه في
مجتمعاتنا. إن كان تغطية المرأة لكامل جسدها هوافتراض يضمن للنساء أمناً
واحتراماً، فلماذا يستبق الأحداث صاحب القناة بمنع من قد يصطلح أمرها لو
منحت فرصة العمل لكفاءتها وتركت لتختار بكامل حريتها إن كانت ستحجب كامل
هويتها أم لا بدلاً من معاداتها واستثناءها والنظر إليها بدونية.

إننا
كإعلاميات عربيات نرفض حشرنا من قبل نسخ محدثّة من ‘سي السيد’ في قوالب
تسلبنا هوياتنا وملامحنا. كيف سينقل مشروع مرئي مبني على إخفاء تعبيرات
وجه المرأة الإنسانية للمشاهدين، الوجوه التي بكت وأبكتنا تضامناً مع من
قهر ومن ظلم. إن التأثر البشري في ملامح المرأة الإعلامية هو الذي قرّب
الإعلام من نبض الشارع وهو الذي أصلح انسانيته كمشاهد ودفعه لعمل الخير.
لا خير في إعلام مرئي لا يعكس وجهاً غاضباً على ضياع حق، أو وجهاً متهللاً
لتحقق فوز ونصرة على ظلم. ولولا مشاهدتنا لوجوه نساء مصر وتونس وليبيا
واليمن المتهللات فرحاً بنجاحهن في إسقاط الطغاة ما عاد وسكننا الأمل
بمواصلة العمل على الإصلاح، ولولا دموع زميلات المهنة على احتراق أطفال
غزة وتشريد أطفال أفغانستان والعراق والبوسنة لما هب البشر لمد يد العون
لمساعدة الثكلى والأيتام.