هذا زمن الأزهر
صالح المغامسي
عام 1925م قال أمير الشعراء أحمد شوقي يمجد الجامع الأزهر وعلماءه ودوره ورسالته في الأمة المصرية والإسلامية.
زمن المخاوف كان فيه جنابهم
من كل بحر في الشريعة زاخر
ويريكه الخلق العظيم غضنفرا
واليوم تعيش أرض مصر مرحلة فاصلة في تاريخها؛ إذ ولى فيها زمان الفرد ودالت دولة التجبر، واحتكم الناس إلى أنفسهم ونصبت سراديق المرشحين، إلا أن المتابع يرى أنه ما من حزب أو جماعة أو تيار في مصر اليوم إلا وهو يقول بلسان الحال والمقال: «ليس للناس خيار إلا من رأيناه أهلا للرئاسة ورشحناه لملك مصر».
وسادت عبارات الحتمية والفرض واللزوم والوجوب في خطابات الأتباع، وقطعا إن الرئاسة منزلة لا تقبل القسمة على اثنين، فضلا عن أكثر من ذلك.
وكون كل فرقة تسد على نفسها أبواب العودة، إنما هو نذير شؤم قد يؤدي بالبلاد إلى عواقب وخيمة ليست لها ثمرة حتى يجنيها أحد، كائنا من كان، وعليه فإن مما يدفع الله به الفتن وغوائل الشر والفساد حكمة العلماء الربانيين ودعوة العلماء الصادقين، والمسلمون مجمعون على أن الأزهر الشريف مؤسسة دينية سامقة كانت وما زالت نهرا عذبا وماء زلالا.
والمؤمل من فضيلة الإمام الأكبر ورجال الأزهر الشرفاء، في مثل هذه الأيام، بث الوعي الديني والدنيوي، مما تمليه السياسة الشرعية المستقاة من مشكاة الوحيين وتهيئة العامة والخاصة لما هو مقبل.
وليس للناس اليوم أن يتبرأوا مما آمنوا به بالأمس، وعلى الإسلاميين خاصة، جماعات وألوية وأفرادا، أن يتقوا الله في من سيأتي بعدهم؛ لأن الناس سيحذون حذوهم، وإنه من غير المقبول شرعا أن يبطن الإنسان الذنب والتوبة معا، ولو كان ذلك نافعا لنفع إخوة يوسف يوم أن قالوا:«وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ».
إن قدر مصر قدر الكبار؛ فحقها على أهلها عظيم، ولن يقوم أهلها بذلكم الحق ما لم يجعلوا مصلحة مصر دينيا ودنيويا فوق كل مصلحة، وأعظم من كل ولاء، هذا زمن الأمة مجتمعة لا زمن الفرقة، زمن الإسلام الغاية لا زمن الإسلام الوسيلة، أما من لم يرَ الإسلام هديا ولا أحكامه طريقة، فليعلم أن السواد الأعظم من أهل مصر يخالط الدينُ بشاشةَ قلوبهم ودماءهم، إن السارق منهم على سوء صنيعه يسرق وهو يدعو: «يا رب تسترها معنا»..
فهذا حال من فسد، فكيف بدين من صلح منهم وهم الأكثرون؟ فكيف يولَّى عليهم من لم يرفع بالإسلام رأسا؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.