[b]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
الحمد لله.....، أما بعد:
أحب يا عباد الله أن أقف معكم في هذه الجمعة التي أسأل الله -عز وجل- أن لا يحرمنا أجرها، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعد تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، أحب أن نقف سوياً مع حديث عظيم من أحاديث المصطفى --صلى الله عليه وسلم-- حديث عظيم يتحدث عن الفتن والذي جعلني أختار هذا الحديث لما فيه من أمور مخفية، تخيف المسلم أن يصيبه شيئاًً مما ذكر في هذا الحديث مع وجود بعض المبشرات التي تطمأن المسلم إذا هو أيضاً أخذ بها، حديثنا هو حديث ثوبان -رضي الله عنه- في سنن أبى داود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تعالى زوى لي الأرض -أو قال-: إن ربى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي تعالى لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها -أو قال-: بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبى بعضاً، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى)).
أيها المسلمون: يخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث بأن الله تعالى قد زوى له الأرض، أي قبضها وجمعها، حتى رأى -عليه الصلاة والسلام- مشارقها ومغاربها،
يقول النووي -رحمة الله تعالى- وفيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- بأن ملك أمته سيبلغ ما زوى له فيها، ثم أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأنه أعطى الكنزين، فقال:
((وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض))
فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس، وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم؛ ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الذهب، ثم قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث:
((وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وأن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها)).
وهذه أيها الإخوة من مبشرات هذا الحديث العظيم، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- سأل ربه كما جاء في هذا الحديث أموراً ثلاثة:
فأعطاه اثنتان ومنعه الثالث،
فسأله أولاً:
أن لا يهلك هذه الأمة بسنة بعامة، وهذه استجاب الله -عز وجل- لسؤال نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن أن تهلك هذه الأمة بسنة بعامة، بقحط عام شامل لكل الأمة،
وهذا لا يعنى أنه لا يقع جوع أو مجاعة في بعض جهات الأمة، فقد يصاب طائفة من المسلمين بجوع، وقد تهلك طائفة أخرى من المسلمين بمجاعة، ويصيبهم الجهد والشدة في الحصول على أرزاقهم، وقد يموت بعضهم بسبب الجوع، وهذا قد حصل منه الكثير في السابق، فآباؤنا وأجدادنا عاشوا ورأوا شيئاً من هذا، وقد ذاقوا الجوع والمجاعة فترة من حياتهم، ولهذا فلاحظ أن كبار السنّ يقدرون النعمة ويخافون زوالها أكثر ممن تربى وكبر في النعمة، فإنه لا يدرى ما معنى الجوع؟ فأقول: بأنه حصل في سابق زمان هذه الأمة شيئاً من هذا، وحتى في وقتنا الحاضر فإن هناك بعض الأماكن من العالم الإسلامي يعانى الجوع، وهناك الألوف المؤلفة من مسلمي إفريقيا ماتوا قريباً بسبب المجاعة، عافانا الله وإياكم من الفقر، ولكن أن تهلك هذه الأمة بكاملها بقحط عام، فهذا لا يمكن أن يحصل أبداً بنص هذا الحديث.
الأمر الثاني:
هو أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- سأله ربه بأن لا يسلط على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها))
وهذه الثانية: يا عباد الله أيضاً استجاب الله منها لسؤال نبيه -عليه الصلاة والسلام- فلا يمكن أيضاً أن يسلط الله -عز وجل- على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، ومعنى يستبيح بيضتهم أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم، أي يجعلهم له مباحاً لا تبعة عليه فيهم، ويسبيهم وينهبهم، وهذا أيضاً يا عباد الله لا يمكن أن يحدث، وهو أن يتسلط الأعداء على هذه الأمة، ويقضوا عليها جميعها، ويستولوا على سلطانها، ويبيدوا دعوتها،
فإن هذا أمر لا يمكن أن يحصل أبداً بنص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا لا ينافى أن يتسلط الكفار وأعداء هذا الدين على بلد معين، أو منطقة معينة وأيضاً لا يمنع أن يتمكن الكفار من تقتيل وتشريد المسلمين، وانتهاك حرماتهم في بقعة من البقاع؛
لكن أن يحصل هذا على عموم الأمة،
ويتمكن الكفار من التلسط والتغلب على جميع الأمة الإسلامية حتى أنهم يستبيحوا بيضتهم، فهذا لا يحصل أبداً؛ لأن هذا الأمر يعارض آخر هذا الحديث بقوله -عليه الصلاة والسلام-:
((لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى))
فإن الإسلام لا بد أن يكون قائماً في جهة من الأرض، ولا بد أن تكون راية التوحيد مرفوعة وستزال هناك فئة وطائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق، لا يضرهم وإن خالفهم أهل الأرض كلهم حتى يأتي أمر الله، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-:
((ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها))
أي لو اجتمعت الدنيا كلها على أن يبيدوا هذا الدين، وأن يتمكنوا من أهل الإسلام كلهم فلا سبيل لهم إلى ذلك؛ لأن هذا دين الله -عز وجل-، ولا يمكن الله للكفار على كل المسلمين، حتى يقضوا عليهم جميعاً، وقد قال سبحانه:
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [(141) سورة النساء].
فهذا المقطع من الحديث يعطى المؤمن طمأنينة وثقة بهذا الدين الذي يحمله، وأن فرج الله قريب، فمهما تمكن الكفار من رقاب المسلمين، ومهما توغل الكفار في أراضى المسلمين، فلا بد أن نعلم بأنها فترة مؤقتة، وهى فترة اختبار وامتحان لنا، وبعدها يكون نصر الله لعباده المؤمنين الموحدين المخلصين؛
لأن المستقبل لهذا الدين، يقول الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [(9) سورة الصف]
ويقول -عليه الصلاة والسلام-:
((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مد ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر))
ويقول -عليه الصلاة والسلام-:
((وتكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة))
ثم سكت -عليه الصلاة والسلام- بأبي هو وأمي إن الإسلام يا عباد الله لم ينزله الله تعالى ليقضى عليه الكفار أبداً، فدين الله باق إلى قيام الساعة، هذا اعتقادنا، وإن تمكن الكفار منا ومن بلادنا، كما قلت فهي فترة زمنية مؤقتة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثم أن هذه الجزيرة أيها الأخوة ما خلقت إلا للإسلام، لا بد أن نعلم هذا، وأن هذه الجزيرة لا تحكم إلا بالإسلام، يقول -عليه الصلاة والسلام-:
((إن الدين ليأرز إلى الجهاز كما تأرز الحية إلى جحرها ما بين المسجدين))
عباد الله: الأمر الثالث الذي سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه في هذا الحديث العظيم هو أن لا يهلك هذه الأمة بعضها بعضاً ولا يسبي بعضها بعضاً، فهذه منعها -عليه الصلاة والسلام-، قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث:
((حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضاً))
وهذه هي بلاء هذه الأمة، وهذه التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي التي شتتت هذه الأمة وفرقتها، فأغلب الفتن وأغلب المصائب في بلاد المسلمين على أيدي المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [(65) سورة الأنعام].
من الذين يقتل المسلمون في بلاد المسلمين أليس القتل بأيدي المسلمين من الذي يعذب المسلمين في بلاد المسلمين أليسوا المسلمون أنفسهم معظم مصائب المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي تجدها تحصل على يد المسلمين أنفسهم،
وهذا أمر قد أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثنا هذا من قرون بعيده، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
الحمد لله.....، أما بعد:
أحب يا عباد الله أن أقف معكم في هذه الجمعة التي أسأل الله -عز وجل- أن لا يحرمنا أجرها، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعد تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، أحب أن نقف سوياً مع حديث عظيم من أحاديث المصطفى --صلى الله عليه وسلم-- حديث عظيم يتحدث عن الفتن والذي جعلني أختار هذا الحديث لما فيه من أمور مخفية، تخيف المسلم أن يصيبه شيئاًً مما ذكر في هذا الحديث مع وجود بعض المبشرات التي تطمأن المسلم إذا هو أيضاً أخذ بها، حديثنا هو حديث ثوبان -رضي الله عنه- في سنن أبى داود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تعالى زوى لي الأرض -أو قال-: إن ربى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي تعالى لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها -أو قال-: بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبى بعضاً، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى)).
أيها المسلمون: يخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث بأن الله تعالى قد زوى له الأرض، أي قبضها وجمعها، حتى رأى -عليه الصلاة والسلام- مشارقها ومغاربها،
يقول النووي -رحمة الله تعالى- وفيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- بأن ملك أمته سيبلغ ما زوى له فيها، ثم أخبر -عليه الصلاة والسلام- بأنه أعطى الكنزين، فقال:
((وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض))
فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس، وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم؛ ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الذهب، ثم قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث:
((وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وأن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها)).
وهذه أيها الإخوة من مبشرات هذا الحديث العظيم، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- سأل ربه كما جاء في هذا الحديث أموراً ثلاثة:
فأعطاه اثنتان ومنعه الثالث،
فسأله أولاً:
أن لا يهلك هذه الأمة بسنة بعامة، وهذه استجاب الله -عز وجل- لسؤال نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن أن تهلك هذه الأمة بسنة بعامة، بقحط عام شامل لكل الأمة،
وهذا لا يعنى أنه لا يقع جوع أو مجاعة في بعض جهات الأمة، فقد يصاب طائفة من المسلمين بجوع، وقد تهلك طائفة أخرى من المسلمين بمجاعة، ويصيبهم الجهد والشدة في الحصول على أرزاقهم، وقد يموت بعضهم بسبب الجوع، وهذا قد حصل منه الكثير في السابق، فآباؤنا وأجدادنا عاشوا ورأوا شيئاً من هذا، وقد ذاقوا الجوع والمجاعة فترة من حياتهم، ولهذا فلاحظ أن كبار السنّ يقدرون النعمة ويخافون زوالها أكثر ممن تربى وكبر في النعمة، فإنه لا يدرى ما معنى الجوع؟ فأقول: بأنه حصل في سابق زمان هذه الأمة شيئاً من هذا، وحتى في وقتنا الحاضر فإن هناك بعض الأماكن من العالم الإسلامي يعانى الجوع، وهناك الألوف المؤلفة من مسلمي إفريقيا ماتوا قريباً بسبب المجاعة، عافانا الله وإياكم من الفقر، ولكن أن تهلك هذه الأمة بكاملها بقحط عام، فهذا لا يمكن أن يحصل أبداً بنص هذا الحديث.
الأمر الثاني:
هو أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- سأله ربه بأن لا يسلط على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها))
وهذه الثانية: يا عباد الله أيضاً استجاب الله منها لسؤال نبيه -عليه الصلاة والسلام- فلا يمكن أيضاً أن يسلط الله -عز وجل- على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها، ومعنى يستبيح بيضتهم أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم، أي يجعلهم له مباحاً لا تبعة عليه فيهم، ويسبيهم وينهبهم، وهذا أيضاً يا عباد الله لا يمكن أن يحدث، وهو أن يتسلط الأعداء على هذه الأمة، ويقضوا عليها جميعها، ويستولوا على سلطانها، ويبيدوا دعوتها،
فإن هذا أمر لا يمكن أن يحصل أبداً بنص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا لا ينافى أن يتسلط الكفار وأعداء هذا الدين على بلد معين، أو منطقة معينة وأيضاً لا يمنع أن يتمكن الكفار من تقتيل وتشريد المسلمين، وانتهاك حرماتهم في بقعة من البقاع؛
لكن أن يحصل هذا على عموم الأمة،
ويتمكن الكفار من التلسط والتغلب على جميع الأمة الإسلامية حتى أنهم يستبيحوا بيضتهم، فهذا لا يحصل أبداً؛ لأن هذا الأمر يعارض آخر هذا الحديث بقوله -عليه الصلاة والسلام-:
((لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى))
فإن الإسلام لا بد أن يكون قائماً في جهة من الأرض، ولا بد أن تكون راية التوحيد مرفوعة وستزال هناك فئة وطائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق، لا يضرهم وإن خالفهم أهل الأرض كلهم حتى يأتي أمر الله، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-:
((ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها))
أي لو اجتمعت الدنيا كلها على أن يبيدوا هذا الدين، وأن يتمكنوا من أهل الإسلام كلهم فلا سبيل لهم إلى ذلك؛ لأن هذا دين الله -عز وجل-، ولا يمكن الله للكفار على كل المسلمين، حتى يقضوا عليهم جميعاً، وقد قال سبحانه:
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [(141) سورة النساء].
فهذا المقطع من الحديث يعطى المؤمن طمأنينة وثقة بهذا الدين الذي يحمله، وأن فرج الله قريب، فمهما تمكن الكفار من رقاب المسلمين، ومهما توغل الكفار في أراضى المسلمين، فلا بد أن نعلم بأنها فترة مؤقتة، وهى فترة اختبار وامتحان لنا، وبعدها يكون نصر الله لعباده المؤمنين الموحدين المخلصين؛
لأن المستقبل لهذا الدين، يقول الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [(9) سورة الصف]
ويقول -عليه الصلاة والسلام-:
((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مد ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر))
ويقول -عليه الصلاة والسلام-:
((وتكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة))
ثم سكت -عليه الصلاة والسلام- بأبي هو وأمي إن الإسلام يا عباد الله لم ينزله الله تعالى ليقضى عليه الكفار أبداً، فدين الله باق إلى قيام الساعة، هذا اعتقادنا، وإن تمكن الكفار منا ومن بلادنا، كما قلت فهي فترة زمنية مؤقتة، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثم أن هذه الجزيرة أيها الأخوة ما خلقت إلا للإسلام، لا بد أن نعلم هذا، وأن هذه الجزيرة لا تحكم إلا بالإسلام، يقول -عليه الصلاة والسلام-:
((إن الدين ليأرز إلى الجهاز كما تأرز الحية إلى جحرها ما بين المسجدين))
عباد الله: الأمر الثالث الذي سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه في هذا الحديث العظيم هو أن لا يهلك هذه الأمة بعضها بعضاً ولا يسبي بعضها بعضاً، فهذه منعها -عليه الصلاة والسلام-، قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث:
((حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضاً))
وهذه هي بلاء هذه الأمة، وهذه التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي التي شتتت هذه الأمة وفرقتها، فأغلب الفتن وأغلب المصائب في بلاد المسلمين على أيدي المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [(65) سورة الأنعام].
من الذين يقتل المسلمون في بلاد المسلمين أليس القتل بأيدي المسلمين من الذي يعذب المسلمين في بلاد المسلمين أليسوا المسلمون أنفسهم معظم مصائب المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي تجدها تحصل على يد المسلمين أنفسهم،
وهذا أمر قد أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثنا هذا من قرون بعيده، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد....
[/b]