شرع صيام رمضان على مرحلتين:

المرحلة الأولى: مرحلة التخيير: أي تخيير المكلف المطيق للصوم بين أمرين: الصيام، وهو الأفضل، والإفطار معالفدية، وهي إطعام مسكين، فمن زاد على ذلك فهو خير وأبقى.



وفي هذا جاء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (البقرة: 183،184).



فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وفدى.



والمرحلة الأخرى: مرحلة الإلزام والتحتيم: أي الإلزام بالصوم، ونسخ التخيير، الذي رخصت فيه الآية السابقة.



وفي ذلك نزل قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (البقرة :185).



ففي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها (متفق عليه، اللؤلؤ والمرجان -702). وفي رواية لمسلم: حتى أنزلت هذه الآية: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).



وقالت عائشة: كان عاشوراء يصام، فلما نزل فَرْض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر.



وكذلك روى البخاري عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود مثله.



فأوجب الله الصيام على الصحيح المقيم، ورخص في الإفطار للمريض والمسافر.



وهذا هو المنهج الحكيم الذي اتخذه الإسلام في تشريعاته، سواء في فرض الفرائض أم في تحريم المحرمات، وهو منهج التدرج في التشريع، الذي يقوم على التيسير لا التعسير.



وهذه المرحلة الإلزامية جاءت أيضًا على رتبتين، كان في الأولى تشديد عليهم، وفي الثانية تخفيف ورحمة.



فقد كانوا يأكلون ويشربون ويباشرون نساءهم ما لم يناموا أو يصلوا العشاء فإذا ناموا وصلوا العشاء لم يجز لهم شيء من ذلك إلى الليلة القابلة.



وقد وقع لرجل من الأنصار أنه كان يعمل طول يومه، فلما حضر وقت الإفطار انطلقت امرأته لتطلب له الطعام، فلما حضرت وجدته قد غلبته عينه من الجهد ونام، دون أن يتناول طعامًا، وعندما انتصف النهار في اليوم التالي غشي عليه من شدة المشقة.



كما روي أن بعض الصحابة - ومنهم عمر وكعب بن مالك - قد أصابوا من نسائهم بعد ما ناموا، أو نامت نساؤهم، وشق عليهم ذلك، وشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية الكريمة التي تمثل المرحلة الثالثة التي استقر عليها أمر الصيام، وهي قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) (البقرة :187).



ففرح بها المسلمون فرحًا شديدًا، فقد أباح لهم الرفث - أي الجماع - والطعام والشراب في جميع الليل، إلى تبين الفجر، رحمة ورخصة ورفقًا، وعفا عما وقع منهم من تجاوزات.