صلاح الدين الأيوبي

بين أوهام المؤرخين وحقائق التاريخ!!


صلاح الدين الأيوبيبين أوهام المؤرخين وحقائق التاريخ 32

ساد في كتابة تاريخنا ـ وخصوصاً الإسلامي منه ـ منهجان ؟ وهما المنهج التقريظي والمنهج التفريطي..

وقد اعتمد المنهجان على تحشيد الروايات العديدة بغض النظر عن صحتها أو قبول العقل بها..

المهم لدى الجامع لها ـ وهو هنا المؤرخ ـ أن يقدم صوراً متزاحمة بالإحداث والأشخاص تكون دليلاً على سعة معرفته واطلاعه على معارف الأولين وأحداث حياتهم..


تلك المعارف ، والتي لا يصح قسم كبير منها، قد شكلت وعي المسلمين وتفكيرهم طيلة قرون عديدة، وساهمت إلى حد بعيد في تفريق هذه الأمة وشرذمتها وتعويق نهضتها، خدمة لأيديولوجية المناهج التي كتبت بها الأحداث..

وانتقلت تلك العدوى، لهذا المرض الخبيث، إلى المستشرقين، الذين جعلوا من هذه المعارف، هي الأساس في التحامل والكذب على الإسلام والمسلمين، والغرض منهما، إفساد ما تبقى من وعي لدينا في ماضي هذه الأمة وقرونها السالفة ـ والكثير من هؤلاء ـ ويستوي في ذلك المسلمون والمستشرقون ـ يعمدون إلى الاغتراف من بحور التاريخ دون الاعتماد على الأسس العلمية الصحيحة في قبول الأحداث والروايات أو ردها، بل تحت تأثير الاتجاهات المسبقة من التاريخ واحداثه المنسوجة بعواطف الحب أو الكره فهم (يجعلون كل ما ليس بحسن حسناً، ويجتهدون في تأويل الحوادث بوجه ليس فيه غضاضة حتى ما ادى منها إلى سقوط فاعله وخيبته.. والكره يدعو إلى ذلك أيضاً، فيجعل الحسن قبيحاً ويستنبط من الخير شراً) على حد تعبير محمد الخضري في محاضراته في تاريخ الأمم الإسلامية..

وقد استطاع هؤلاء المؤرخون بحكم درجة اقترابهم من الحكام في تلك العصور، أن يكتبوا التاريخ كما أملته عليهم مراكزهم وخطواتهم لدى أصحاب الامر، فأصبح كل ما يفعله الحاكم هو عين الصواب، واصبح ما يرتكبه من أخطاء وفساد يلقى التبرير والتأويل..

إضافة إلى ما نسجه هؤلاء المؤرخون من أساطير وخرافات أصبحت حقائق واقعة، ومن المسلمات لكثرة ما قرأنا أو سمعنا بها إطراءاً وتبجيلاً..

ولربّ سؤال يطرح: كيف يمكن قراءة تاريخنا؟ وهل بالإمكان إعادة كتابته، أو على الأقل، استخراج تغييرات جديدة لما تسالم عليه كتاب التاريخ وقراءه؟

باستطاعتنا أن نفعل ذلك إذا تجردنا من أهوائنا وعصبياتنا، واستعملنا منهجاً علمياً تسوده الموضوعية والحياد التام..

بهذا وحده نستطيع أن نؤسس لقراءة جديدة وكتابة مغايرة لما ساد طيلة قرون في مدرسة التاريخ العربي والإسلامي..

والأستاذ حسن الأمين قد اشتغل وفق هذا المنهج على شخصية ملأت التاريخ حضورا و ضجيجأً مدوياً، لما أحاط بها من هالات القداسة، و عمل الأمين على الحفر في النصوص، كالنحات مستعيناً بالأزميل والمطرقة،ليخرج لنا بحقائق جديدة من كهوف التاريخ نفسه الذي تعارفنا على صحة مداخله ومخارجه ومحتوياته..

في كتابه الصادر بطبعة جديدة عن دارالجديد/2000 المعنون (صلاح الدين الايوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين)

يقودنا الامين بخبرة المؤرخ وموضوعية الباحث، إلى آفاق جديدة لم نتعود على التحليق فيها، رابطاً مسار الاحداث ومسلطاً عليها الأضواء الكاشفة، مستعيناً بنصوص عاصرت تلك الاحداث أو جاءت بعدها بقليل..

في مقدمة كتابه يقول الباحث حسن الامين [واذا رأى القارئ فيما نقدمه اليه في هذه الصفحات شيئاً غير مألوف لما في ذهنه عن صلاح الدين الايوبي فهو لن يرى إلا حقائق مدعومة بالنصوص التاريخية المدونة في امهات الكتب..

ونحن في كل ما كتبناه في موضوع صلاح الدين لم نبغ إلا وجه الحق، كشفاً عن حقائق تاريخنا التي عمل على طمسها المبطلون]..

وقد قسم الباحث كتابه إلى فصول ثلاثة إضافة إلى الردود التي استقبلت هذا الكتاب قدحاً وذماً على صفحات الصحف والمجلات بعيداً عن الموضوعية وتعصباً لما وجد هؤلاء الكتاب آباءهم عليه وهم على آثارهم مقتدون..

وقد تطرق الباحث في الفصل الأول والثاني إلى الحديث عن الدولة الفاطمية التي أرجع بعض المؤرخين سبب نكبات المسلمين مع الصليبيين إلى حكامها، ويكشف لنا عن مفارقة مضحكة مبكية في نفس الوقت أن الدولة الفاطمية قد سقطت قبل الغزوات الصليبية بربع قرن..

وفي الفصل الثالث، والذي حمل عنواناً مستفزاً وتحريضياً وهو (المسؤولون عن الهزيمة) يحدد الباحث جميع الظروف والعوامل التي مهدت وساعدت على خيانة النصر الذي تحقق في حطين، وإذا بالناصر صلاح الدين هو المهادن والمستسلم أمام الصليبيين، وليصبح طعم النصر المتحقق على الأرض مراً وحارقاً ولتذهب دماء الآلاف من شباب المسلمين هدراً حين تمت سرقة هذا النصر لمطامع واهواء شخصية..

في فصل الردود، نقرأ ما ردّ به الباحثون على حسن الامين، ولاشيء في هذه الردود غير اجترار المعلومات القديمة والمنقوصة، وغير الشتائم والقدح والذم ، وغير اللعب على الالفاظ والكلمات ووضعها في غير مواضعها..

أما مقارعة الحجة بالحجة، والحقائق بالحقائق فلا تجد شيئاً منه، لأنهم يريدون أن تبقى تلك الهالة والقداسة للأقانيم المقدسة التي وضعها السابقون، واجهدوا أنفسهم في وضعها على الشكل الذي أرادوا، وطالبونا بأن ننظر لهامن جهة واحدة ومنعوا أن ندور حولها كي نراها من جميع الجهات..

الكتاب جدير بقراءة متأنية وفاحصة، وهو إضافة غنية إلى مكتبة التاريخ الإسلامي.