شهقة حنان ..!!

في عش
هادئ، يضم بين جنباته أسرةً صغيرة، مكوَّنة من زوج وزوجة ولدَيْنِ، ينعمون
داخل هذا العشِّ بحياة بسيط

ة، تفوح منها رائحةُ المودَّة والسَّكينة
والرحمة.

الزوج يقضي في عمله ثمانيَ ساعات، يؤمِّن لزوجته وأولاده لقمةَ العيش.

والأولاد حياتُهم ملؤها اللعب، واستقبال الأب، والعبث بالأشياء.

والزوجة في إجازة من عملها؛ لتهتم بشؤون
البيت والزوج والأولاد، تملأ العشَّ ذهابًا وإيابًا بين طبخٍ وغسل، وكيٍّ
ومسح وترتيب، واهتمامٍ شديد بطلبات الأسرة، تشعر أن سعادتها كامنةٌ في ذلك،
فتقوم بأدائه راضيةً مَرضيَّة.

تطمئنُّ لزوجها؛ لأنه يعاملها كجزءٍ منه فقَدَهُ صغيرًا، ثم وجَدَه كبيرًا.

وفي يوم من الأيام مَرِضَ أحدُ الصغيرين، فكانت الأم تسهر عليه، وتعطيه الأدوية في مواعيدَ منتظمةٍ، ولا تغفُل عنه ثانية واحدة.

كانت تحمِله باستمرار في رَواحها وغُدُوِّها، في صباحها ومسائها، حتى وهي
تقوم بأداء أعباء المنزل، وكانت تدعو الله أن يعافيَه ويبتليَها هي!

وعاد الزوج من عمله، فوجدها تمسح الأرضية وهي تحمل الصغير، فألقى السلامَ
عليها، وقامتْ بوضع الصغير على أريكته حتى تنتهي من تجفيف الأرضية، وجلس
الزوج على كرسيٍّ بجانب الباب ينظر إليها، وإلى ما تقوم به من مجهودٍ لا
يحتمله الرجل.

وفجأة نزل الصغير من فوق أريكته، وتحرَّك ناحية أمِّه التي تقوم بتجفيف الأرضية، وطبع قُبلةً على خدِّها، ثم عاد إلى مكانه مرة ثانية.

فشهقتِ الأمُّ شهقةَ حنانٍ وعطفٍ وحبٍّ، وتحدَّرتْ دمعةٌ فوق خدها، فأراد
الزوج أن يهدئ من ثائرة الحنان التي اشتعلتْ في قلبها من جراء هذه القبلة؛
فقال لها:

إن الصغير أراد أن يعبِّر عن امتنانه، فلم يجد إلا هذه القبلةَ الصغيرة، وقام زوجها فقبَّلها.