الحاكم يسأل . . لماذا تكرهونني ؟!


بقلم طارق بن راشد الغفيلي*
لماذا لم يسأل الحاكم نفسه قبل ذلك عن بيت مال الشعب الذي أصبح يملكه ويهب منه لمن يشاء ؟ عن بطانة استشرى الفساد فيها لم تخالف أمره لنصح ولو مرة ؟ عن فتاوى تحل له ما تحرم على غيره ؟ عن معاناة أولاد شعبه وترف أولاده ؟ عن ازدياد ثراء من حوله من المنافقين وازدياد فقر من هم دونهم ؟ عن سبب سجن من قال كلمة حق عن مسؤول جائر ؟ عن سبب حكمه الذي لا يسقط إلا بقبضة ملك الموت ؟ عن قانون يسري على الضعفاء لا الأغنياء ؟أسئلة كثيرة تتداولها مجالس الشعب منذ سنوات خلت حتى مل الناس تردادها ووجب إعلانها بكل هدوء ليجيب الحاكم عنها . لو أجاب بصدق لعاش عزيزا ومات كريما وبقي طيب ذكره بين شعبه سنينا , لكن شهوة السلطة – تبا لها - لها سكرة لا يفيقها صوت فكرة بل أزيز ثورة !!

لماذا تكرهونني ؟! عندما يبدأ الحاكم بسؤال شعبه هذا السؤال بصوت مهموس , لا يسمعه إلا كبرياء يتصدع في داخله بفعل ثورات متلاحقة كأمواج هادرة لا يوقفها إلا مداها !
لقد سأل ساسة أميركا أنفسهم هذا السؤال عندما تعالت أصوات كره الشعوب لسياستهم ولم يجدوا الحل حينها في إجابات ملؤها الغرور كإجابة كونداليزا رايس في كلمة لها في المعهد الأمريكي للسلام بواشنطن عام 2004 عندما قالت : ( نحن نحب الحياة وهم يحبون الموت ؛ لذلك هم يكرهوننا !! ) .
كذلك الحاكم هنا بوعي أو بدون وعي يمارس الخطأ نفسه عندما يتهم غيره ويطهر ذاته ثم يرثه أخوه من بعده ليمارس الخطأ نفسه وهكذا دواليك , فهو يرى أن الدولة انعكاس له فأي مساس به يعني بالضرورة مساسا بالوطن ذاته الذي يملكه ؛ لذلك فكل من يكره ممارساته المتسلطة فهو متهم بالضرورة بكره استقرار الدولة وإرادة إحراق زرعها ووأد نسلها على اعتبار أن هذا الحاكم الممثل الشرعي الوحيد لحكم هذا الوطن من المهد إلى اللحد !!
الحاكم هنا رهينة لوحة قد رسمها لنفسه بمعاونة بطانته التي يشكلها بإتقان من ثلاثي يلونها (ممثلو التدين , ممثلو النخب المثقفة ، ممثلو المال ) .
هذه مجموعات تدعي فضل ما تنتمي إليه زورا لتحقيق مآرب أخرى , ومع قرب نفاد صبر كثير من الشعب تجاه هذا الحاكم وزمرته تبدأ الأصوات العاقلة تنادي بالإصلاح لتفادي ما لا يمكن السيطرة عليه لاحقا ؛ فتبدأ الدوائر التي يعيش الحاكم داخلها بتعبئة الحاكم تجاه هؤلاء المنادين بالعدالة باعتبار أنهم خارجون متربصون كارهون لهذا الوطن المتمثل في صورة الحاكم ؛ لذلك يزداد الحاكم ظلما ويزداد الشعب قهرا حتى تصل القطيعة بينهما إلى ذروتها فيثور الشعب مطالبا بالتغيير لا الإصلاح مما يجعل الحاكم يفيق من سكرة غروره التي عاش تحت ظلالها عقودا ليسأل نفسه قبل السقوط عن سبب كره الشعب له !!
لماذا لم يسأل الحاكم نفسه قبل ذلك عن بيت مال الشعب الذي أصبح يملكه ويهب منه لمن يشاء ؟ عن بطانة استشرى الفساد فيها لم تخالف أمره لنصح ولو مرة ؟ عن فتاوى تحل له ما تحرم على غيره ؟ عن معاناة أولاد شعبه وترف أولاده ؟ عن ازدياد ثراء من حوله من المنافقين وازدياد فقر من هم دونهم ؟ عن سبب سجن من قال كلمة حق عن مسؤول جائر ؟ عن سبب حكمه الذي لا يسقط إلا بقبضة ملك الموت ؟ عن قانون يسري على الضعفاء لا الأغنياء ؟ أسئلة كثيرة تتداولها مجالس الشعب منذ سنوات خلت حتى مل الناس تردادها ووجب إعلانها بكل هدوء ليجيب الحاكم عنها .
لو أجاب بصدق لعاش عزيزا ومات كريما وبقي طيب ذكره بين شعبه سنينا , لكن شهوة السلطة – تبا لها - لها سكرة لا يفيقها صوت فكرة بل أزيز ثورة !!

مشكلة الحاكم المزمنة هي في تصوره لمفهوم الوطن والمواطنة ، فهو يرى أن الوطن الذي يحكمه هو نتاج ما يملك , والمواطنة التي ينتظرها هي قدر الولاء لهذا النتاج ؛ لذلك لن يفسر ما يجري حوله من انفلات من هذا المفهوم إلا بكونه خروجا عليه وبغيا يستحق بطشا , ولن يستطيع استيعاب حوار حول وطن أكبر منه وأبقى , كما أنه لم يتعود على مواطنة تستدعي توجيهه لا عبادته بفعل أوامره واجتناب نواهيه !! .
ومما رسخ هذا المفهوم في عقله الدوائر الثلاثية من حوله ( ممثلو التدين , ممثلو النخب المثقفة , ممثلو المال ) من جهة , والعقود التي قضاها على عرشه بلا حساب ولا عقاب من جهة أخرى ؛ مما جعله يؤمن إيمانا يزيد ولا ينقص أنه هو الذي يري شعبه ما يرى , وبحكمه سوف يهديهم سبيل الرشاد !!
ليس سرا حجم الاحتقان الذي يجري الآن بين الحاكم والمحكوم لانعدام أدنى درجات التواصل المفضي إلى نتائج تخفف هذا الاحتقان , فالحاكم لا يريد تنازلا عن شيء من سلطاته المطلقة , والمحكوم لم يعد يطيق طريقة حكمه التي بلغ سيل شططها الزبى , وعليه فتباطؤ الحوار الجاد هنا بين الحاكم من جهة والأصوات العاقلة من نخب المجتمع التي تعكس هموم الشعب ومطالبه من جهة أخرى سيؤدي إلى تسارع رفع سقف المطالب من محاولة لمجرد الإصلاح في البدء إلى تحول جماهيري متنام للتغيير الجذري لرؤوس النظام كرها في حكم لم ير منه تمسكا حقا بدين ولا نتاجا مفيدا بدنيا , وبالجملة فإن الإصلاح لهو خير متنفس لهذا الكره المتنامي لأسلوب الحكم إذا تم بجدية من الجميع ما دام في الوقت متسع ؛ لأنه سيؤتي أكله حينها ضعفين , حكم رشيد وعيش كريم .

محاضر في جامعة القصيم*