بداية فلنستثني "ال" التعريف من الكلمة



فهي "غربة"، لا حاجة لتعريف المعروف ...



نعم!!! "ال" التعريف دخيلة على الكلمة، ولا تنتمي لها ...


لكن أليس هذا أحد جوانب الغربة؟



أعني: المرء لا يكون غريباً إلا إذا كان دخيلاً على من حوله ...



أو إذا كان من حوله دخلاء عليه ...



تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه و سلم:


"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء"



أكانوا في غربتهم -أعني غربة آخر الزمان- دخلاء على زمانهم؟



أم كان زمانهم هو الدخيل عليهم؟؟؟



أعتقد أن لا معنى للسؤال طالما أن الغربة واحدة ...



فهي غربة كغربة البداية ...



غربة الخوف و الرجاء و قلة النصير ...



غربة البشريات و الأمل في أحلك المواقف ...



فبشريات الفتوح: فتح فارس، و القسطنطينية، و رومية



تلك البشريات خرجت والمسلمون محاصرون في المدينة ...



خرجت و قد تكالب عليهم أراذل البشر من مشركين و يهود و منافقين ...



ولعل البشريات تتشابه كما تشابهت الغربتان ...






لنعد لتلك الكلمة: الغربة ...



لعلكم الآن، توافقوني الرأي أن "ال" التعريف هي جزء أصيل من الكلمة ...



أصيلة بكونها دخيلة على الكلمة ...



يبقى: غربة ...



لا أعرف لماذا كلما سمعت هذه الكلمة تذكرت الغروب ...



نعم، غروب الشمس من على تلال بلدتنا ...



ذاك الغروب الذي ترى فيه الضياء يتلاشى من الدنيا ...



و يتسرب الظلام ليملئ المكان ...



و تغيب الشمس من المشهد ...



و تبقي لنا أثراً يدل على أنها كانت هنا ...



لكن لا يلبث هذا الأثر أن يتلاشى كما تلاشى الأصل ...



إذ ذاك، وقد حل الظلام، ندرك أن تلك الشمس هي التي أضاءت حياتنا ...



و أنارت لنا الطريق ...



لكن للأسف: معظم الناس لا يدرك هذه الحقيقة إلا بعد غروب الشمس ...



و يدرك أن الشمس كانت في حياته غريبة ...



و لكنها من الغرباء الذين يتركون أثراً في حياتنا ...



و ينيرون لنا الدرب ...



حياة الغرباء لها لذة عجيبة ...



فهي تشعرك بالتميز عن بقية الناس ...



حتى ولو كان هذا التميز بالألم و الوحدة ...



إلا أن القليل من الغرباء من يترك أثراً فيمن حوله ...



حتى و لو كان هذا الأثر بعد الرحيل ...



هذه دعوة لجميع الغرباء في هذا الزمان ...



فلتتركوا لنا أثراً ينير لنا الدروب ..تحياتي لكل مغترب




حتى و لو بعد الغروب