[b][b][/b][/b]
مداخل إبليس في قلب الإنسان
اعلم أن القلب بأصل فطرته قابل للهدى، وبما وضع فيه من الشهوة والهوى مائل
عن ذلك، والتطارد فيه بين جندي الملائكة والشياطين دائم، إلى أن ينفتح
القلب لأحدهما، فيتمكن ويستوطن، ويكون اجتياز الثاني اختلاسًا، كما قال
تعالى: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: 4]، وهو الذي إذا ذكر
الله خنس، وإذا وقعت الغفلة انبسط، ولا يطرد جند الشياطين من القلب إلا
ذكر الله –تعالى-، فإنه لا قرار له مع الذكر.
واعلم: أن مثل القلب كمثل حصن، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن، ويملكه
ويستولى عليه، ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه، ولا يقدر على حراسة
أبوابه من لا يعرفها، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله، ومداخل
الشيطان وأبوابه صفات العبد، وهى كثيرة، إلا أنا نشير إلى الأبواب العظيمة
الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان.
فمن أبوابه العظيمة: الحسد، والحرص، فمتى كان العبد حريصًا على شيء؛
أعماه حرصه وأصمه، وغطى نور بصيرته التي يعرف بها مداخل الشيطان. وكذلك إذا كان حسودًا، فيجد
الشيطان حينئذ الفرصة، فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته، وإن كان
منكرًا أو فاحشًا.
ومن أبوابه العظيمة: الغضب، والشهوة، والحدة، فإن الغضب غول العقل، وإذا
ضعف جند العقل؛ هجم حينئذ الشيطان فلعب بالإنسان. وقد رُوي أن إبليس يقول: إذا كان العبد حديدًا، قلبناه كما
يقلب الصبيان الكرة.
ومن أبوابه: حب التزيين في المنزل والثياب والأثاث، فلا يزال يدعو إلى
عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها، والتزين بالثياب، والأثاث، فيخسر
الإنسان طول عمره في ذلك.
ومن أبوابه: الشبع، فإنه يقوى الشهوة، ويشغل الطاعة.
ومنها: الطمع في الناس، فإن من طمع في شخص؛ بالغ بالثناء عليه بما ليس
فيه، وداهنه، ولم يأمره بالمعروف، ولم ينهه عن المنكر.
ومن أبوابه: العجلة، وترك التثبت.
ومن أبوابه: حب المال، ومتى تمكَّن من القلب؛ أفسده، وحمله على طلب المال
من غير وجهه، وأخرجه إلى البخل، وخوَّفه الفقر، فمنع الحقوق اللازمة.
ومن أبوابه: حمل العوام على التعصب في المذاهب، دون العمل بمقتضاها.
ومن أبوابه أيضًا: حمل العوام على التفكير في ذات الله تعالى، وصفاته،
وفى أمور لا تبلغها عقولهم حتى يشكِّكهم في أصل الدين.
ومن أبوابه: سوء الظن بالمسلمين، فإن من حكم على مسلم بسوء ظنه، احتقره
وأطلق فيه لسانه، ورأى نفسه خيرًا منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان،
لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه.
وينبغي للإنسان أن يحترز عن مواقف التهم؛ لئلا يساء به الظن، فهذا طرف من
ذكر مداخل الشيطان، وعلاج هذه الآفات سد مداخل بتطهير القلب من الصفات المذمومة، وسيأتي
الكلام عن هذه الصفات، بقى للشيطان بالقلب خطرات واجتيازات من غير استقرار،
فيمنعه من ذلك ذكر الله تعالى، وعمارة القلب بالتقوى.
ومثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك، فإن لم يكن بين يديك لحم وخبز؛ فإنه
ينزجر بأن تقول له: اخسأ، وإن كان بين يديك شيء من ذلك وهو جائع؛ لم
يندفع عنك بمجرد الكلام، فكذلك القلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه
بمجرد الذكر. فأما القلب الذي غلب عليه الهوى؛ فإنه يرفع الذكر إلى
حواشيه، فلا يتمكن الذكر من سويدائه، فيستقر الشيطان في السويداء. وإذا
أردت مصداق ذلك، فتأمل هذا في صلاتك، وانظر إلى الشيطان كيف يحدث قلبك في
مثل هذا الموطن، بذكر السوق، وحساب المعاملين، وتدبير أمر الدنيا.
المرجع: مختصر منهاج القاصدين
للإمام: أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي –رحمه الله
...................
تحياتي اليكم