مبروك حرمان أطفالنا من الدراسة
وقف أبو إسماعيل كعادته في كل عام دراسي جديد أمام بيت صديقه ليأخذ ابنه أيمن صديق طفله إسماعيل إلى مدرسته الخاصة حيث اعتاد على هذا التقليد منذ تسجيل الاثنين في هذه المدرسة أطلق ( زامور ) سيارته قليلا وانتظر الوقت الكافي إلا أن أيمن لم يأتي ولم يطل أحدا من الشباك يخبره أنه ذهب هذا اليوم دون أن ينتظر صديقه إسماعيل اعتقد أن الأسرة جميعها نامت ليلتها الفائتة في بيت الجد الواقع في الحي الآخر قال لابنه صديقك سبقنا إلى المدرسة ربما أوصله خاله أو ركب لوحده في باص المدرسة من هناك لم يقبل إسماعيل الفكرة , قال لأبيه بقينا حتى ساعة متأخرة من الليل نلعب في الحارة إلا أن الوالد أدار عجلة سيارته دون اهتمام لاعتراضات إسماعيل وما أن سار قليلا حتى شاهد عروبة الأخت الصغرى لأيمن تسير وحدها باتجاه مدرسة الوكالة القريبة من بيتهم والتي تدرس فيها لوحدها حيث أن وكالة الغوث لا يوجد لها مدارس للبنين في المنطقة ليدرس أيمن فيها مثل أخته الصغيرة فالحكومة لا تسمح له بالدراسة في مدارس وزارة التربية والتعليم بل تفرض عليه أن يدرس في المدارس الخاصة لأسباب سنعرفها لاحقا , تفاجئ أبو إسماعيل أن عروبة لم تأتي من اتجاه بيت الجد وأوقف سيارته بالقرب منها على حافة الشارع وسألها أين أيمن أجهشت عروبة في البكاء وهربت بسرعة إلى باحة المدرسة واختفت بين التلاميذ عاد أبو إسماعيل إلى البيت الذي يسكنه أيمن وأرسل ابنه ليسأل عن صديقه .. لم يفتح أحد الباب يأس إسماعيل من الصمت الذي يلف البيت من الداخل واعتقد أن شيء ما حدث لصديقه الصغير وأسرته في ساعة متأخرة من الليل عاد إسماعيل منزعجا وطلب من أبيه أن يذهب إلى بيت الجد للسؤال عن صديقه إلا أن أبيه استمر في سيره نحو المدرسة ودخل مسرعا إلى الإدارة وقال لابنه ابحث عن صديقك بين التلاميذ وإن لم تجده فأنا موجود في الإدارة وما هي إلا برهة قليلة حتى عرف أبو إسماعيل أن أحدا لم يسجل أيمن في المدرسة ولم يدفع عنه القسط الدراسي وأن ملفه لازال في المدرسة ولم ينقل إلى مدرسة ثانية وتأكد أن أحدا لم يراجع بشأنه لا نقلا ولا استمرارا في دراسته , يعرف أبو إسماعيل أن أيمن لم يحصل على حق الإقامة في الأردن مثل بقية أفراد أسرته وأن والده أبعد إلى هذا البلد الشقيق قبل خمسة وعشرون عاما بعد قضاء أربعة عشرة عاما في الأسر الإسرائيلي حيث كان محكوما عليه بالسجن المؤبد ثلاثة مرات وتم تحريره في عملية تبادل الأسرى التي أجراها السيد ( أحمد جبريل ) الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة مع الطرف الإسرائيلي في العام المذكور ونظرا لدوره في عملية تبادل الأسرى وصلابته المعروفة داخل الأسر وإصراره على البقاء في الوطن الفلسطيني بعد عملية التحرير تم وضعه منذ اليوم الأول تحت الإقامة الجبرية المشددة وبعد خمسة شهور من ذلك أبعد إلى الأردن مع زميله المناضل الوطني الكبير( محمود دعيس ) بقرار من قائد المنطقة الوسطى في ذلك الوقت ( أمنون شاحك ) وبعد وصوله إلى الأردن لم ( يتكسٌب ) على تاريخه بل حافظ على نهجه في مقاومة الصهيونية والاستعمار وتم سجنه في البلد المضيف أكثر من ستة عشر مرة بسبب عناده الثوري وإصراره على التمسك بالخيار الصعب الذي هو بالنسبة له الخيار الأسلم في الحياة والذي كان يوصفه دوما بقوله البسيط إن لم تكن مطلوبا لأحد من أعداء شعبنا أو المختلفين معهم على فهم المشروع الصهيوني الاستعماري في الوطن العربي فأنت لست فلسطيني هكذا هو وهكذا سيبقى لم يحمل أحدا من أبناء جيله وصنفه في الحركة الفلسطينية ما تم تحميله عليه من أثقال وأحمال ولو عرفت حركة فتح أن موضوع قصتنا هو ابن المناضل ........ فلان لخرجت عن بكرة أبيها بكل أسلحتها صباح هذا اليوم ودمرت بيوت الفاسدين على رؤوس أصحابها من المخزيين والملوثين في التاريخ لكنها ستعرف يوما أن صنف هذا المناضل هم اللذين يظلمون في مرحلة انحطاط التاريخ , عرف أبو إسماعيل السبب الحقيقي لتغيب أيمن عن مدرسته هذا الصباح وحاول الاحتيال على مدير التسجيل ليدفع له القسط الأول من تكاليف دراسة أيمن من هذا العام والبالغ 500 دينار أردني بدعوى أن أسرة أيمن أرسلت معه الفلوس فأخبره مدير التسجيل أن والدة أيمن اتصلت في المدرسة وأنها قادمة لتسجيل ابنها وأن لا أحد غيرها مخول بتسجيله وطلبت من المدرسة التكتم على التأخير لحين وصولها .
المناضل.......فلان عاد إلى الوطن بعد مدة خمس وعشرون عاما من عقوبة النفي والإبعاد وذلك بموجب تصريح زيارة لمدة شهر واحد من أجل المشاركة في أعمال المؤتمر العام السادس لحركة فتح وبعد عودته تشبث في الأرض التي أبعد منها وبقي حتى الآن مواطنا مع وقف التنفيذ لا يحق له الخروج من المكان الذي يسكن فيه وبالتالي أخذ يعاني غربة انفصام الناس عن قضيتهم الوطنية وغربة الوطن المسروق من أهله اللذين يعيشون عليه وخوف القيادات السياسية على امتيازاتهم وانفصالهم عن شعبهم وتشكيل أسوأ نماذج طبقية طفيلية في التاريخ لاستغلال شعبها وامتصاص دمه من الداخل الفلسطيني ورغم ذلك قال في معايدته الأخيرة على اللذين لا زالوا متمسكين بخيارهم الصعب يحاولون عبثا إقناعنا أن الوطن الذي ضحينا من أجله ليس هو الوطن الذي يحق لنا العيش فيه ورغم ذلك سنبقى الشوكة في حلوقهم ولن يسرقوا أسمائنا الجميلة من ذاكرة الناس الطيبين مثل ما سرقوا خيرات بلادنا وشكلوا بسوء أخلاقهم البنية الفاسدة في الاستغلال الطبقي داخل فلسطين قبل تحريرها .
الأردن الشقيق يعتبر الأشخاص العاملين في صفوف الحركة الفلسطينية والمبعدين إليه من بين هؤلاء الأشخاص , هم أشخاص مقيمون بصورة خاصة على الأراضي الأردنية ولا يتمتعون بحق الإقامة الدائمة أو المؤقتة مثل بقية الرعايا العربية أو الأجنبية لذلك يتم وضعهم تحت ولاية المخابرات العامة التي تجيز لهم تدريس أبنائهم في المدارس الخاصة فقط أو مدارس وكالة الغوث التي تشترط هي الأخرى أن يكون الطالب الملتحق فيها منحدرا من عائلة فلسطينية تحمل بطاقة اللاجئ الفلسطيني وكون أسرة أيمن ليست من لاجئي ال48 فلم يقبل أيضا في مدارس مخيم الوحدات القريبة من سكنه مثل ما تم قبول أخواته في المدارس المذكورة بواسطة شديدة التعقيد لذلك فإن أيمن يدرس في مدرسة خاصة ليس برجزه أو تقليد لأبناء القيادات الفاسدة في النخبة السياسية الفلسطينية حيث يحتوي ملفه الدراسي على نسخة سنوية من المخابرات العامة تجيز له الدراسة في المدارس المذكورة أما والده فهو كما ذكرنا يعيش في الوطن تشبثا بحقه في البقاء على أرضه وأملا في أن يخلص أسرته من ظروفها الاستثنائية في حقوق المواطنة والحياة وقد تفضل عليه دولة الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية بتغطية نفقات أجرة بيته لمدة عام وقام بعد ذلك بشرح أوضاعه لسيادة الأخ الرئيس محمود عباس حفظه الله الذي أمر بنقل قيوده من جيش التحرير الوطني الفلسطيني على الساحة الأردنية إلى ساحة الوطن وإعطائه حقوقه أسوة بزملائه المبعدين العائدين وفي المقدمة منهم المناضل الكبير ( محمود دعيس ) الذي أبعد معه بنفس قرار عقوبة الإبعاد الصادرة عن الاحتلال إلا أن قرار السيد الرئيس كما وصفه أحد المتنعمين بالفساد ( طز ) إن لم يوافق عليه مسئول التنظيم والإدارة وبالتالي بقي هذا القرار ( طز ) واحتشد ( الطزيزة ) على اختلاف أنواعهم لإبقاء الأمر على ما هو عليه من قهر واضطهاد لأن هؤلاء ( الطزيزة ) يعتبرون أنفسهم أكثر فهما من السيد الرئيس للأنظمة والقوانين السارية في بنية السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وأكثر معرفة من السيد الرئيس في إدارة حقوق الناس والسهر على أمنهم وحياتهم وبالتالي تعلق السيد الرئيس وقراره في الهواء وأصبح في دائرة خاصة من التوصيف الشعبي الذي يقول ( همالة الشيخ هي التي تجعل القطروص شيخا على شيخه ) علما أن كافة الخيرين في شعبنا لا يعتبرون شيخ هذا الشعب ( هاملا ) ولكن من يحيطون به يحاولون إعطاء هذه الصفة عن شيخهم فليست هذه المرة الأولى في تاريخ إدارة حقوق المناضلين التي يتم فيها رفض الأدنى لقرار الأعلى في سلم المسؤولية الفلسطينية ( الدنيا مقلوبة يا مناضلين استيقظوا هذه القيادة لا تعرف معنى إهانة الحر ولا تتقي غضب الحليم لا ندري من سيحميها إذا بقيت على هذه الحالة الفاسدة من سوء الفهم والتقدير لقيمة أحرار شعبنا )
أيمن لم يسجل في المدرسة وسيذكر التاريخ يوم أيمن في سجلات الانتقام من الفاسدين فإما أن يكون الشيخ شيخا وإلا سوف يتولى غيره المشيخة على القطاريص هكذا ختم صديقنا مكالمته الأخيرة مع أبو إسماعيل شاكرا له إحساسه بقضية أيمن ومؤكدا أن ما حدث مع أيمن اليوم هو أمر اعتيادي في أخلاقيات بعض القادة الفلسطينيين ويحدث يوميا مع الآلاف من أطفالنا الذين يعيشون في ظروف متشابهة مع الظروف التي يعيشها الطفل الفلسطيني أيمن في الأردن وسوف يكون يوم أيمن هو البداية لاسترجاع كل الحقوق المستلبة من قبل هذه الطغمة الفاسدة ولن يستقيم الحق بعيدا عن شفرة السيف هذا هو حالنا نحن الفلسطينيون فإما أن نكون عظماء على الأرض التي عليها نعيش أو عظاما تحته .
( أخوكم كاتب هذه السطور الشاهد على جريمة اليوم ...عقاش النباش )