استيقظت يا جدي على صوت بكائك ،
وزخات دموعك، فاذا بك تقبض
بشدة على مفتاح بيتنا وتنوح:
لكن يا جدي
ضاع المفتاح !
قبل يومين تعرفت على عائشة
في مخيم الوحدات ،
وعائشة ابنة صاحب الطابون
ابو مسعود الكاكوني ،التقيت
بها هنا في السوق الشعبي ،
تبحث عن خبز اسود !
ما اجمل ثوبها المقدسي المطرز ،
ونشطة منديلها الثلاثية.
اخبرتني انها تتعلم في الجامعة العلوم السياسيه،
واختها الوسطى فاطمة تزوجت
من بلال الجاعوني،
ويعيشان معا في مخيم صبرا ،
وحينما سالتها عن مفتاح بيتهم ..
تنهدت وقالت : ” يا حسرتاه !
وضعناه في جهاز اختي العروس ،
وفقدناه في الطريق الى لبنان” .
ضاع المفتاح يا جدي !
” لنا قنطرة في الرملة ،
ولخالي بئر في بيسان .
لعمتي حاكورة في البروة ،
ولجدتي بيدر في عسقلان ” .
هذه اغنية جميلة يا جدي !
ترددها روضات الاطفال في مخيم شاتيلا ،
دنوت من الطفلة سلمى وسألتها : ”
اتعرفين ام خالد !
لماذا لا تغنون لها ؟ ”
. فابتسمت وقالت : ”
ام خالد هذه جارتنا ،
وقد كانوا يسكنون في الخالصة ،
اما اهلي فكانوا يسكنون في عين غزال ،
قرية جميلة تغازل حقولها امواج الطنطورة،
ونسائم قيسارية “.
وحينما سألتها عن مفتاح بيتهم ،
صمتت ثم قالت : ”
باعه ابي لأحد السياح بربع دولار “.
ضاع المفتاح يا جدي !
ما اصلب شعبنا يا جدي وما
اشد عوده ،وما اصبر المبعدين
منه والنازحين ! فحتى بعد رحيلكم
، وتنكر العالم لنا ولكم ،
لا تزال خيامنا تنتظر الفرج ،
ومشارف مخيماتنا ترقب الأمل،
جمعنا عيدان تفتت شملنا في حزمة واحدة
، بعد ان تنكر اوسلو الهزيل
لوضع نهاية عادلة لقضيتنا .
ورضخ ابطال المؤتمر من قياداتنا لتعليق
مصائرنا فوق رفوف القضايا
المؤجلة للحل الدائم ! ومما زاد الطين بلة ،
تسابق تجار الخطابات السياسية على شطب
هذه القضية المصيرية من
سجلات خطاباتهم الفلسطينية .
فتطايرت حروف العودة .
. وتبعثرت رموز الحلم العربي ،
وتناثرت الوعود والعهود ،
وعادت فلول من القيادات الفلسطينية
وانصارها الى ارض الوطن ،
بلا مفاتيح وبلا قضية.
فضاع المفتاح يا جدي !
لكننا .. ما دامت انشودة الاطفال تتعالى
، وما دام بعد العتمة فجر نور يتسامى ،
سيتعانق زيتون زمارين مع الصفصاف ،
وتحتضن سنابل راس العين باقورة الاشراف
، وسينادي اللجون السجرة ،
وتزغرد حجارة عين حوض : ”
عادت مفاتيح الديار يا جدي ! “
فكل المفاتيح تتوق للعودة ،
وتصلي ليوم اللقاء ،
وستحمل بين اسنانها الصابرة ،
ذكريات من امجاد النازحين
وآلام اللاجئين ،للجليل والمثلث ،
للنقب ولحيفا ، ليافا ولعكا ،
للرملة ولد العرب ، ولبيت المقدس والاقصى
، ولكل حجر قارع من اجل البقاء,
لن يضيع المفتاح يا جدي …لن يضيع
.
.
.
تــحـياتي لكــل من مــرّ على كلماتي