منذ زمن طويل، نعرف أن المولود الجديد يسمع ما حوله، يتعرّف على وجه أمّه، ويفضّل رائحة حليبها على جميع أنواع الروائح... لكن مع تطور تقنيّات التصوير العصبيّ، اكتُشف أخيراً أنّه يجيد (تقريباً!) العدّ، وبأنه يستعدّ بنشاط للكلام والقراءة منذ شهره الثاني. في ما يلي أهمّ الاكتشافات التي وصلت إليها الأبحاث العلميّة.
يتعلّم الرياضيات
قد يعرف الكبار بلمح البصر عدد الأشياء الموجودة على الطاولة مثلاً. في الواقع، نجد هذه القدرة على العدّ لدى الأطفال الرّضع أيضاً! إذا عرضنا بشكل متكرر على طفل، في شهره الثالث، صوراً تبيّن أربعة طيور، سيُظهر ردّة فعل مغايرة حين نعرض عليه صورة بثمانية طيور. كشفت تجارب العلماء أنّ هذه الحالة ليست إلا احتساباً تقريبيّاً للكميّة التي يراها. لا يتمتع الطفل في هذا العمر بالقدرة على العدّ بمعنى الكلمة. لكنّ دماغه يستند إلى معلومات رقميّة لرصد هذه الاختلافات. كيف يحصل ذلك؟ تنشط لدى الطفل المناطق الدماغية نفسها التي تنشط لدى البالغين خلال هذا التمرين الخاصّ بالحساب. يستند الأطفال لاحقاً إلى هذه القدرة على العدّ لتطوير معارفهم الحسابيّة بدقّة ولفهم علم الحساب.
يميِّز المقاطع الصوتيّة
منذ الأيام الأولى، يكون المولود الجديد قادراً على التمييز بين مختلف المقاطع الصوتية في لغة معيّنة وعلى التعرّف الى لغته الأم. كذلك يعرف كيفيّة الربط بين حركة الفم والصوت الذي يخرج منه! بفضل تقنيات عالية المستوى، أثبت فريق علميّ أخيراً أنّ القشرة السمعيّة لدى المولود الجديد أكثر تنظيماً بكثير مما كنّا نظنّ. إذ تنشط المسارات العصبيّة الخاصّة بتمييز المقاطع الصوتية (وهي مختلفة عن تلك الخاصّة بالتعرّف على أصوات أخرى) منذ الولادة. راهناً، لم يبقَ إلا معرفة ما إذا كان الطفل يدرك أن لفظ «الباء» مثلاً موجود أيضاً في المقاطع الصوتية /با/ /بو/ /بي/. إنها آلية أساسيّة لتعلّم القراءة.
يفضِّل صوت أمه
أصبح معروفاً أن الجنين، الذي يسمع الأصوات منذ شهر الحمل السادس، ينمو في عالم بعيد عن الصمت والسكون: نبضات قلب الأم، عمليّة التنفّس، أصداء العالم الخارجي من كلمات، موسيقى، ضجّة...
تترك هذه الأصوات فيه بصمة لا يمكن إنكارها: منذ ولادته، يتعرّف الطفل على صوت أمه ويفضّله على جميع الأصوات الأخرى مع أنه لم يسمعه بوضوح بل وصل إليه مع تعديلات وتغييرات عبر حاجز البطن! فور سماع صوتها، يتغيّر سلوكه وتتسارع نبضات قلبه...
لكن النتيجة مغايرة من جهة الأب، فلا يكون لصوته الأثر نفسه. لا يميّز المولود الجديد بين نبرات الصوت، وهو أمر منطقي لأنه لم يسمع صوت الأب بقدر ما سمع صوت أمه. لكن ماذا لو كان الأب من النوع الثرثار؟ لم يحدد العلماء ما يحصل في هذه الحالة!
يتعرّف على الوجوه
أثبتت النتائج كلّها أن المولود الجديد (مع تقدم بسيط للأطفال الإناث) يتأمّل أمه لفترة أطول مما يتأمل شخصاً غريباً. ما يعني أنّه قادر على حفظ أيّ وجه بسرعة كبيرة من خلال النظر إليه لفترة وجيزة. لكن على ماذا يتعرّف تحديداً؟ العينان، الفم، أم شكل الأنف؟ لا شيء من ذلك! هو يتعرف بكلّ تأكيد على محيط الرأس والشعر. فإذا لبست أمه وشاحاً، لا يعود يتعرّف إليها. لكن في الأسبوع السادس أو الثامن، يتخطّى هذا الالتباس ويصبح قادراً على التعرّف على ملامحها.
أكثرمن ذلك بعد، اكتُشف أخيراً أنّه في حال بدأت الأم بالتكلم مع طفلها منذ ساعات ولادته الأولى، تتضاعف قدرته على التعرف الى الآخر عشر مرّات!
يفضّل رؤية كلّ ما يتحرّك!
عند الولادة، تكون الرؤية مبهمة لدى الطفل. بعيداً عن التغيّرات الضوئية التي تحصل عبر حاجز البطن، يمكن القول إنّ الطفل لا يختبر البصر وهو في رحم أمّه! على الرغم من ذلك، لا شك في أنه يملك قدرات معيّنة في هذا المجال. إذا كان صاحياً تماماً وفي وضعية مريحة، يمكنه رؤية أي شيء واضح يتحرّك ببطء أمامه ومتابعته بنظره. وقد ثَبُت أنّه يهتمّ بالأشياء المتحرّكة أكثر من الثابتة منها. من هنا أهمية الألعاب الدوّارة التي تُعلّق فوق سريره!
يربط المعلومات
لا تقتصر قدرات الطفل اليدويّة ببساطة على حركة الإمساك بالأشياء والشدّ عليها. ماذا يشعر حين يُغلق يده بقوة مذهلة لإمساك لعبته؟ هل يدرك خصائص هذا الغرض؟ هل يعرف مدى نعومته، أو شكله الدائري، أو ملمسه القماشي؟ وفقاً للتجارب الأخيرة، يدرك الطفل ذلك كله! يستطيع التمييز بين شيء أملس وآخر خشن، وبين اليد اليمنى واليسرى، وبين شكل الأسطوانة والمثلث. الأهم من ذلك كله هو أنه يتعرف على شكل الأشياء عند لمسها حتى لو لم يرها. هو قادر إذاً على الربط بين المعلومات التي يتلقاها من خلال اللمس وتلك التي يتلقاها بصرياً.
كيف يعمل العلماء؟
من الآن فصاعداً، أصبح فهم عمل الدماغ واكتشاف معالم بعض الأمراض الدماغية ممكناً بفضل تقنيات التصوير العصبي. تتيح تقنيات التصوير بالرنين المغنطيسي «رؤية» الدماغ في كامل نشاطه. بات العلماء اليوم ينجحون في تحديد المناطق الدماغية الناشطة بدقّة، ورصد المعلومات التي تتنقّل باستمرار على شكل مسارات كهربائية... إنها وسائل يستخدمها العلماء لدراسة قدرات الأطفال الكامنة.
يسمع ويحفظ
من المعروف أن الأغاني والموسيقى التي يسمعها الجنين بانتظام، وهو في رحم أمه، تترك صدىً عميقاً فيه وتساعد على تهدئته. لكنّ الأنغام والأشعار ليست الوحيدة التي تخترق حاجز الرحم. كشفت إحدى الدراسات أن المولود الجديد قادر على الحفظ عن ظهر قلب، وهو يهدأ لدى سماعه أغنية مسلسل تلفزيوني (شرط ألا تفوّت أمه حلقات كثيرة)، أو صوت الطائرة!