[b]إلى روح الشهيد بن لادن ..لكن النجوم لا تموت



بقلم خالد حربي




[b]
[b]النجوم ذلك النور العلويوتلك القناديل المعلقة في سمائناوهذه المصابيح المنيرة في ليلناإنها دائما رمز الهداية ومنارات السبيل في حياتنا {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأنعام:97].


هكذا وصفها الله العلي في كتابهواستضاء أئمتنا بهذا الوصف الإلهي فشبهوا من حملوا مشعلاً في مسيرة هذه الأمة، وعلى رأسهم الصحابة والعلماء العاملون ثم الأمثل فالأمثل.


وكلما أظلم الطريق وتعذر السير على السائرين تلفت الناس إلى نجم يهديهم وقائد يعبر بهم.


وكما يلمع بريق
[/b]

[b]النجوم ويظهر كلما اشتدت الظلمة وادلهمت العتمة وفشت الحالكة على الرؤوس، هكذا أيضاً نجوم أمتنا العظام، يعظم قدرهم ويتوهج بريقهم وتشتد الحاجة إليهم كلما جثمت المحنة على صدرها واشتدت في الظلمة مسيرتها.

وهنا أذكر رؤيا عجيبة ما تذكرتها إلا وسرت القشعريرة في جسدي وأخذتني الخشية فانهمرت دموعي لا أملكها.
أتذكرها و أهديها إلى الراحلين عن الحياة وهم أبهى ما بهاإلى الذين رحلوا عنا وظلت أعمالهم رمزاً يُقتدى ونبراساً يُهتدىإلى من صمدوا في زمان الخذلان وقبضوا على الجمر في زمن الهوانإلى الذين أناروا لنا الطريق بأرواحهم وعطروا لنا المسير بدمائهمإلى النور الباهر في هذا الليل البهيم والنجم اللامع في تلك الظلمة العاتيةإلى شهدائنا الأبرار الذين قضوا في ساحات الوغى وقد بذلوا أرواحهم فداء أرواحنا ونفوسهم الغالية نظير نفوسناهذه البشرى إلى أرواح هؤلاء الأماجد ولا أراها تصدق إلا في حقهم وحدهمفي يوم من أيام محنة كان الكرب قد اشتد علينا حتى لم يبق لنا متنفسثم أعلن البعض تراجعه وتخليه عن الطريق وارتمى يستجير من الرمضاء بالنار فركبنا الهم وعظم بنا الخطب ولفحتنا رياح الوحشة والغربةوكنت أنا وأخ لي نتناوب صلاة الليل وفي ليلة مباركة وبعض أن صلينا غلبنا النعاس قبيل الفجر بقليل وإذا بأخي يوقظني وهو ينتفض وعيناه مغرورقة بالدموع ليقص على ما رأى فقال: “رأيتني جالساً تحت قدم شيخ لا أعرفه وكان الشيخ حسن الهيئة طيب السمت وبجواره طاقة في الحائط يطل منها النبي صلى الله عليه وسلموإذا برجل كئيب الهيئة فظ الملمح يدخل علينا وقد اتشح بالسواد القاتمفسأله الشيخ:من أين الرجل؟فقال:من مصرفسأله النبي صلى الله عليه وسلم:وما حال مصر وأهل مصر ونيل مصر؟فتجهم الرجل وظل يلقي بكلمات قاسية يتحدث فيها عن الخراب و الدمار والضياع وقال كلاماً كثيراً وأخر ما قاله:وهناك نجوم ستموت”.
تملكني الخوف والفزع واختنقت من كلمات هذا الرجللكن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه سريعاً وهو يبتسم قائلاً:لكن
النجوم لا تموت، بل تتكاثر وتتوالد ويكثر عددها
ونزلت كلماته صلى الله عليه وسلم على قلبي برداً وسلاماً وبشرى وطمأنينةوإذا بالشيخ يردد كلمات النبي صلى الله عليه وسلم نفسها وهو يبتسم
لكن

النجوم لا تموت, بل تتكاثر وتتوالد ويكثر عددها”.
راحت دموعي تنهمر من عيني وأنا اسمع هذه الرؤيا الصالحة, وعدت لا أسيطر على جسدي بأكمله وفقدت نصف وعيّ وكأني لا زلت بين يدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الذي نزلت كلماته في الرؤيا علينا برداً وسلاماً, فشدت العزائم وأقامت الهمم وداوت الجراحلقد أدركت على الفور أن هؤلاء بعض الساقطين الذين كنا نحسبهم نجوماً في سمائنالكنهم في الحقيقة غير هذاإنهم كالشهب والنيازك تلمع لحظة احتراقها لتسقط فتصيب وتقتل لكنها لا تضيء أو تهدي, أما

النجوم الحقيقية فهي أبداً لا تموتوكنت كلما اشتدت بنا المحنة وخنق صوتنا البلاء أردد بيني وبين نفسي
لكن

النجوم لا تموت
حتى أحسن الله إلينا فكشف البلاء وانجلت عنا المحنةوتسارعت الأحداث وعاث العدو بأرض المسلمين و حرماتهمورأى الناس ما كانوا يقرؤن عنه في كتب التاريخ من المذابح والمجازر واقعاً أمام أعينهم وبين أيديهموهناوفي هذا الليل البهيم والظلام الحالك ظهرت نجوم سمائنا الحقيقةوشاء الله أن يلمع ضيؤها فوق رؤوسنا, وذلك حين قام خير هذه الأرض قاطبة وأطهرهم يداً وأشجعهم قلباً وأنقاهم سريرةفذبوا عن الأمة وذادوا عن الحرمة وبذلوا الأرواح والمهج رخيصة لله تعالىوكما رأينا ما كنا نسمع عنه من مذابح ومجازررأينا أيضا ما كنا نسمع ونقرأ عنه من الملاحم والبطولات وعادت رياح الجهاد تنفض الرمال عن هذه الأمة وتنسمها رياح العزة من جديدوعادت تهب علينا نسائم العظماء التي كانت قد انقطعت طويلاً عن أمتناعادت تهب نسائم نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز والشيخ المجاهد ابن تيمية وابن حزم والب أرسلان ويوسف بن تشفين وطارق بن زياد وغيرهم من عظماء المجاهدين والشهداءواصطفي الله تعالى من هولاء المجاهدين الراشدين شهداء في سبيلهوكما أن شجرة الإسلام طيبة وعظيمة وكريمةكذلك لم يدخر الله لها ريِِِاً إلا أطهر الدماء وأعظم الأرواح وأكرم النفوس, لتنبت الثمرة الطيبة النافعة النقية السوية
وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُم
وكما كانوا كالنجوم في حياتهممناراً للهدي ونبراساً للفداءصاروا بعد رحيلهم مثلاً يحتذي ومنهجاً يقتدي ونوراً يضئ الدرب للسائرينمن قال أن الشهداء سقطوا؟؟
من قال أنهم رحلوا؟!
من قال إن حياتهم وأعمالهم انتهت؟!إن الوجود الحقيقي يكون بوقعه في النفس لا بثقله على الأرضولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجوداً وحياً وفاعلاً في نفوس التابعين الذين آمنوا به ولم يروه أضعاف أضعاف ما كان موجوداً في نفوس المشركين والمنافقين الذي عايشوه وخالطوه.
وهكذا قد يرحل مجاهد عن عالمنا فلا نراه ولا نخالطه، لكنه قد يكون أكثر أثراً وفاعليه في النفوس مما كان وهو حيا بيننا.
إن ما يجسده رحيل هؤلاء العظماء أكبر بكثير مما كانت تمثله حياتهم:
وكانت في حياتك لي عظات *** فأنت اليوم أوعظ منك حياًيقولون إن ضياء النجم يظل يلمع في مكانه لسنوات عديدة بينما يكون النجم حقيقة قد غادر منزله منذ سنينوهذا أصدق الأوصاف على شهدائناإن نورهم لا يزال يتلألأ فوق رؤوسنا حتى بعد رحيلهموإن حياة شهدائنا أطول من حياة قاتليهم ونظرة سريعة على تاريخ هذه الأمة تزرع اليقين بهذا.
ويقال إن

النجوم تتحول في أخر أطوارها إلى ثقوب سوداء تسبح في فضاء الكون وتتميز هذه الثقوب بالجاذبية الشديدة والحركة السريعة مما يجعلها تلتقط وتبتلع كل الأجسام والشوائب العالقة بالفضاءويحلو للبعض أن يسمى هذا موتاً ولكن هيهات أن يكون موتاً وهو يدفع النجم إلى أضعاف طاقته وقدرتهوهكذا أيضاً شهداؤنا الأبرار إذا رحلوا عن حياتنا وانتهت أعمارهم الأرضية صاروا قوة جذب إلى السماء ودفع إلى الجنان، تهدم أسوار الطغاة أمامنا و تقوى قلوبنا على امتطاء الصعاب ومقارعة النوازل ومجابهة المخاطر، لاسيما وقد ضربوا لنا المثل العملي في الثبات وجسدوا لنا التضحية الفعلية لأجل العقيدةلقد رحل عنا الشهداء لا ليغيبوا عن دنيا ولكن ليضيؤها من فوق رؤوسنا بأرواحهم الزكية و دمائهم العطرةوكلما ارتفع شهيدٌ في ساحة الوغىاطمأنت القلوب إلى نجم جديد يغمرنا بضوئه الشفيفوكلما غاب عن عالمنا عظيم بجسده وأنفاسهاستبشرت القلوب بكلمات وفعالٍ تقوم وتنتفض لتتقدم الركب المجاهد نحو طريق النصر والعزة بأذن اللهوهذا سيد قطب.. أحد أفراد ذاك الركب وذلك الرهط نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً يقول:
إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً أعراساً من الشموع، فإذا متنا من أجلها وغذيناها بدمائنا انتفضت حية و عاشت بين الأحياء، كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء”.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
[/b]
[/b]
[/b]