اخشـــوشـــنوا..
ماذا فعلت حكومة «الأيدى المرتعشة» فى مصر خلال 50 يوما.ً. وعد السلفيين
بحل أزمة "كاميليا" وإهدار 2 مليار بسبب الخوف من رخص الحديد والصمت على
مظاهرات المدرسين فى لجان امتحان الكادر



الأحد، 24 أبريل 2011 - 23:10
اخشـــوشـــنوا.. ماذا فعلت حكومة «الأيدى المرتعشة» فى مصر خلال 50 يوما.ً. وعد السلفيين بحل أزمة "كاميليا" وإهدار 2 مليار بسبب الخوف من رخص الحديد والصمت على مظاهرات المدرسين فى لجان امتحان الكادر S32011815956
الدكتور عصام شرف



الفرق
بين القوة والبطش واضح بالضرورة، ولا يحتاج إلى تعريف.. القوة تصنعها
القوانين، والبطش أمر قائم على تحطيم القوانين وتجاوزها، واستغلال سذاجتها
وثغراتها فى بعض الأحيان، القوة أمر قائم على تحقيق العدل ونصرة المظلوم
وفرض المساواة، والبطش لعبة من ألاعيب تحت الترابيزة، هدفها الإطاحة بكل
هذه الأشياء، وبناء على ماسبق يبقى الفرق أيضا شاسعا وواسعا بين الدولة
القوية والدولة الباطشة.

الدولة القوية تستمد قوتها من تطبيق مواد
دستورها وقوانينها على الوزير قبل الغفير دون استثناء أو تلاعب من أجل هدف
واحد فقط، هو ضمان حق المواطن فى حياة كريمة عادلة، ودولة البطش هى التى
تلوى عنق القوانين والدساتير، وتتلاعب بثغراتها وتحول القانون من أداة
لإنصاف المواطن إلى خلاط يطحنه من أجل هدف واحد تدعيم أركان نظام سياسى
يضمن بقاء شخص واحد فقط على كرسى الحكم.

قبل 25 يناير لم تكن مصر
دولة مؤسسات قوية كما كان يروج إعلام نظام مبارك أو مبارك نفسه، لأن الدول
القوية لا تسقط أجهزتها مثلما يسقط الذباب مع أول «بخة» بيروسول، أو أول
ضربة من مضرب الحشرات الشهير فى البيوت المصرية، دولة النظام السابق كانت
دولة بطش لأنها وضعت القوانين فى خدمة مبارك وخدمة، بقائه على الكرسى فقط،
لأنها حولت القانون من أداة لضمان الحقوق إلى طفاشة يفتحون بها خزائن مصر،
وسنجة يهتكون بها كرامة المصريين، انظر إلى الطريقة التى تم بها استغلال
قانون الطوارئ، أو تلك التى تم من خلالها التعامل مع قوانين تخصيص الأراضى،
وستعرف أن دولة مبارك كانت دولة بطش لأنها اغتصبت القوانين، وأنجبت منها
أجنة مشوهة وغير شرعية، برروا من خلالها سرقتهم للبلد، وطول بقائهم كاتمين
على أنفاسها، وللأسف تم كل ذلك خلف ساتر المفهوم البراق.. مفهوم الحفاظ على
هيبة الدولة وسيادتها..

هل تذكر كيف كان يقوم رجال الإعلام
باستخدام مصطلح هيبة الدولة لتبرير قمع المظاهرات، واعتقال الأبرياء؟، هل
تذكر كيف كانوا يستخدمون مصطلح هيبة الدولة كحائط صد ضد أى أصوات تناديهم
برفع أيدى الأجهزة الأمنية عن الحياة السياسية، أو التراجع عن قرارات خاطئة
من تلك التى كان يذهب ضحيتها آلاف المواطنين مثل قرار إنشاء محافظتى حلوان
وأكتوبر، أو القرار الشفهى بمنح الحزب الوطنى الأغلبية فى البرلمان
الأخير؟

لاحاجة لأن تستدعى من ذاكرتك أى شىء يذكرك بهذا الاستغلال
السيىء لمصطلح هيبة الدولة، لأن حكومة الدكتور عصام شرف سقطت فى نفس الفخ
أو أسوأ قليلاً، وتحديداً فيما يخص ملف أزمة قنا، وعدد آخر من الملفات
السياسية والاقتصادية، بداية من التيار السلفى وأهالى سيناء والمظاهرات
الفئوية وحتى ملفات الشرطة والأمن، ورخص الحديد وعقود الموظفين المؤقتة.

كيف ضاعت هيبة الدولة؟
إن
كان نظام الرئيس المخلوع مبارك أهدر هيبة الدولة، لأنه استخدم الوجه الآخر
للمفهوم الذى يحول المصطلح إلى كلمة حق يراد بها باطل، وأداة بطش تستمد
قوتها من مصادرة الحرية وقمع الجماهير بدلاً من كونها أداة سيادة للوطن،
تستمد قوتها من احترام ودعم المواطن نفسه، فإن حكومة الدكتور شرف أو المجلس
العسكرى أهدرا هيبة الدولة، حينما تعاملوا بكل هذا الارتخاء والضعف مع
صراخ المواطنين، ومطالبهم غير القانونية فى بعض الأحيان، ومن قبل ذلك حينما
نحّوا القانون جانبا وتخيلوا أنهم بالكلام المعسول، وتكرار وترديد هتافات
الثورة، ودعمهم لها، قادرون على أن يديروا البلد أو يضحكوا على ناس هذا
البلد.

احترام الدكتور عصام شرف وحسن نواياه وكفاءته واحترامه
للثورة وشبابها شىء نحترمه ونقدره ونشكره، لأنه قدم لنا نموذجاً فى تواضع
المسؤولين، كنا نبحث عنه منذ أزمان، ولكن يبدو هذا الأمر شيئاً مختلفاً
ومنفصلاً تماماً عن النظر إلى أداء الدكتور عصام شرف، كرئيس لوزراء مصر فى
تلك الفترة المختلفة والخطيرة، كان الدكتور شرف ذكيا بشكل كاف، لأن يطرق
باب جلوسه على كرسى رئاسة الوزارة من باب ميدان التحرير، وذهب إلى هناك
معلناً أن شرعيته ستكون من الميدان، ولكن يبدو أن حمله على الأعناق والهتاف
باسمه، وحالة الاحتفاء الإعلامية بما فعله الرجل، جعلته يسير فى طريق غير
تلك الطرق التى ترسمها الثورات أو التى تفرضها طبيعة الأوضاع الخطيرة التى
تعيشها مصر.

وبدلاً من أن يسارع الدكتور شرف إلى لم شتات الدولة
المتبعثرة، ويعيد لها هيبتها المفقودة بفرض القانون وتطبيقه حتى آخر نفس،
توقف الزمن به عند بعض اللقطات الإنسانية غافلاً عن أن مصر فى تلك المرحلة
لا تحتاج إلى رئيس وزراء يبكى على الشاشات، مثلما حدث فى العاشرة مساء،
مهما كانت الكوارث، ومهما كانت مشاعره فياضة وأحاسيسه جياشة، بقدر ماهى فى
حاجة إلى رئيس وزراء يظهر قوته وحزمه وحسمه، حتى تعود فئران البلطجة إلى
جحورها ويعرف المتلاعبون أن قبضة الدولة الجاهزة لدهس المخالفين للقانون لم
تتحطم، وجاهزة للدفاع عن الوطن والمواطنين والثورة فى وجه البلطجة
والفاسدين، والرغبة فى إشعال فتيل الثورة المضادة.

تصرف الدكتور شرف
بنعومة لا تصلح لتلك المرحلة، وسعى لإرضاء الرأى العام وشباب الثورة أكثر
من سعيه لتطبيق القوانين، حتى طمع الرأى العام فيه واستضعف الدولة، ولم يرد
طلبا أو نقداً لشباب الثورة حتى ولو كان غير منطقى، أو تدخلاً صريحاً فى
عمله، حتى استضعف الشباب وزارته ووزراءه، وبدلاً من أن يقدموا لهم أفكارهم
كاقتراحات أصبحوا يقدمونها كأوامر.

تهاون الدكتور شرف فى التعامل مع
بعض أنواع الاحتجاجات الخارجة عن النص، بغية إرضاء الرأى العام، وتقبل
مظاهرات، وأعلن أنه سينظر فى طلبات كان من المفترض أن يلقيها فى وجه
أصحابها منذ اللحظة الأولى، إما لأنها مخالفة للقانون، أو لأن الوقت ليس
وقتها أبداً حتى طمع فيه الكل، وضاعت معه هيبة الدولة التى حاول أن يرفعها
سلاحاً لكى ينقذه من ورطة أحداث قنا، فوجدها أضعف من أن تنجده بعد أن
أضاعها هو، حينما سمح لرغباته ورغبات وزرائه فى إرضاء الشارع والمتظاهرين
أن تتجاوز القوانين والأعراف، مثلما حدث فى تظاهرات موظفى الآثار الذين
تظاهر المئات منهم من أجل إعادة وزارة الآثار ووزيرها زاهى حواس، واستجاب
رئيس الوزراء بعد أول يوم تظاهر، رغم أنه كان صاحب قرار إلغاء الوزارة
قائلاً إنه لا حاجة لها، هذه الاستجابة أو الخضوع الفورى جعل من رئيس
الوزراء مطمعا،ً فخرج السلفيون يتظاهرون من أجل كاميليا شحاتة، وبدلاً من
أن يصرخ فى وجههم، أو ينصحهم بأن مصر ووضعها وثورتها أهم من كاميليا شحاتة،
استقبلهم بل وقدم لهم وعدا بحل أزمة هو يعلم يقينا أنه لا يملك سبيلاً
لحلها، وبنفس الضعف تعامل الدكتور شرف مع وفد شباب الثورة الذى التقى به،
وبدلاً من أن يحفظ مكانة رئيس الوزراء المصرى، نزل إلى الشارع يستقبلهم
بنفسه، ليضع وزراءه فى مأزق حرج، ظهر جلياً فى لقاء اللواء منصور العيسوى
ببعض شباب ائتلاف الثورة الذين طلبوا منه فيما يشبه الأمر ضرورة الاجتماع
بهم دورياً للاطلاع على قراراته قبل إصدارها.

رغبة رئيس الوزراء فى
إرضاء الرأى العام انتقلت بالتبعية إلى وزرائه كما قلنا، ومنهم إلى
العاملين فى تلك الوزارات، ووضح أثر ذلك على الشارع المصرى، يعيش فى فوضى
مرورية لأن ضباط الداخلية تركوا السيارات تركن صف ثالث ورابع، وتسير عكس
الاتجاه، وتتجاوز السرعات لأنهم لا يريدون إغضاب الشارع، ومثلما حدث فى
وزارة الداخلية، حدث فى وزارة التعليم التى لم تتخذ أى موقف حازم وحاسم ضد
المدرسين الذين تظاهروا داخل لجان امتحانات الكادر، ومزقوا أوراق الأسئلة
فى مخالفة واضحة وصارخة للقانون، وهو نفس الأمر الذى تكرر فى الجامعات
المصرية التى شهدت حالة من قلة الأدب، تجلت فى تعرض بعض الأساتذة للضرب،
وتجمهر الطلاب من أجل تسيير العملية التعليمية على مزاجهم، ومع ذلك لم يتخذ
رؤساء الجامعات أو وزير التعليم أى رد فعل تجاههم.

رخص مصانع الحديد ضحية الخوف
أصبحت
أيدى وزراء حكومة الدكتور شرف مرتعشة، وغير قادرة على اتخاذ القرارات
خوفاً من رد فعل الرأى العام، حتى ولو كانت الرؤى الاقتصادية والسياسية
والمواقف القانونية لتلك القرارات سليمة وصحيحة، ومايحدث فى وزارة الصناعة
فيما يخص أزمة تراخيص مصانع الحديد دليل واضح على ذلك، مصر معرضة لأن تخسر
استثمارات بقيمة 2 مليار جنيه، بعد إحالة ملف رخص مصانع الحديد الجديدة
لإدارة الفتوى بوزارة الصناعة، بعد أن صدرت هذه التراخيص فى 17 يناير
الماضى لمصانع «المراكبى للصناعات المعدنية» فى السادس من أكتوبر،
و«بورسعيد الوطنية للصلب»، و«حديد المصريين بالمنيا» و«الوطنية للصلب»
بأسيوط، والغريب فى أمر التعطيل هذا، أن موقف تلك الرخص القانونى
والاقتصادى طبقا لتصريحات المسؤولين والفقهاء سليم، وبدلاً من أن يصدر وزير
الصناعة المهندس سمير الصياد قرارات بتمرير تلك الرخص وتجاوز النقطة
الروتينية الخاصة بأن هذه الشركات تجاوزت فترة السماح الخاصة بسداد قيمة
الرخص والتى استمرت من 17 يناير إلى 17 فبراير، أى فى عز أحداث 25 يناير
التى شهدت حالة شلل كامل فى البلاد، رغم استعداد هذه الشركات للدفع فوراً،
إلا أن هناك حالة من التعنت مرجعها الوحيد أن المسؤولين فى وزارة الصناعة،
يخشون أى اتهام غير موثق بمخالفة القانون، وهو مايوضح أن الخوف والرغبة فى
إرضاء الشارع قد تؤدى بنا إلى كوارث وخسائر لسنا فى حاجة إليها الآن؟

نعومة
الدكتور شرف فى التعامل مع تلك الملفات المخالفة للقانون، جعلت وزارة
الأوقاف أعجز وأضعف من أن تدافع عن مساجدها التى تم الاستيلاء عليها من
جانب السلفيين بعد طرد الأئمة التابعين للوزارة والدولة دون أن يحميهم أحد،
وهو نفس الضعف الذى بدا على الشركات الحكومية ووزارة المالية التى استجابت
لضغوط الموظفين بعقود مؤقتة، وقامت بتثبيتهم قبل حتى أن يدرسوا مدى حاجة
العمل لهم، أو مدى صلاحيتهم لهذا العمل، أو مدى تأثير تلك التعيينات على
خزائن الدولة.

الوطن لم يشف من أمراض الماضى
حينما
ذهب رئيس الوزراء إلى سيناء، تعامل بنفس المنطق، ووقف يحدثهم عن العيش
والملح، وفخره بالجلوس فى حضرتهم، وعن ابنه الذى بكى من أجل أن يشاركه تلك
الرحلة، وتكلم الرجل طوال الوقت مستعطفا، وأزاد وأفاض فى الحديث عن بطولات
أهالى سيناء، دون أن يعى أن حديث رئيس الوزراء لابد أن يعتمد على أرقام
وخطط وحقوق وواجبات.

وعود رقمية وليست عبارات العواطف، تفادى رئيس
أكبر جهة تنفيذية فى مصر الصدام مع أهالى سيناء، ولم يسأل مشايخ القبائل عن
حمايتهم للمطاريد، ولم يحثهم على دعم القانون بتسليم الهاربين؟، حتى
المحافظ الذى قال فى كلمته أن كل مطالب أهالى سيناء واقتراحاتهم ستصبح قيد
الدراسة الجدية، راح ضحية شرف الذى تمادى فى إرضاء أهل سيناء وبدلاً من أن
يصدق على كلام محافظه، ويبدأ مناقشة جدية لتلك المطالب هتف قائلاً: عذراً
ياسيادة المحافظ هذه ليس مطالب بل أوامر سننفذها فوراً ليحصل على موجة
تصفيق وهتاف لا يعرف أنها بقدر ماستضيف إلى رصيده شعبياً، ستسحب كثيراً من
رصيد هيبة الدولة وقوتها.

أزمة قنا ومحافظها تكشف بوضوح أن ماتم
سحبه من رصيد هيبة الدولة بسبب نعومة الدكتور شرف ووزرائه فى التعامل مع
الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتكشف أيضاً أن الحكومة التى
اعتبرناها حكومة الثورة، ربما تكون هى الأخطر على الثورة الآن، فى أزمة قنا
الخطأ منذ البداية كان عند الحكومة التى أجرت تغييرات المحافظين على نفس
طريقة الماضى، وبنفس منطق نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وبدلا من بداية
عهد جديد يعتمد على الكفاءة والشباب، اعتمدت الحكومة على نفس الخلطة
القديمة، وجاءت بمجموعة من لواءات الجيش السابقين أضافت إليهم مجموعة من
لواءات الشرطة، ووضعت فوقهم شوية أساتذة جامعيين لتحلية الطبخة، ثم ارتكبت
الخطيئة الكبرى، حينما اعتمدت على مبدأ كوتة المناصب فى التعامل مع
الأقباط، ولم يتعب أحد فى حكومة الدكتور شرف أو المجلس العسكرى فى أن يفكر
فى تغيير مكان كوتة الأقباط، أو حتى عددها للإيحاء للناس بأن هناك تغييرا
حدث وخصصوا المحافظ القبطى الوحيد لمحافظة قنا، كما كان يحدث فى الماضى.

اعترض
أهالى قنا على تعيين المحافظ بحجج كثيرة، تحاول أن تخفى أن أصل الاعتراض
دينى، بينما كان الدكتور شرف مشغولاً هو والوزراء فى الهتاف مع شباب
الثورة، والصحافة مشغولة بالاحتفاء بصورة الدكتور وهو يتناول الفول
والطعمية فى مطعم التابعى، ارتكبت حكومة الدكتور شرف الخطيئة الثانية،
وتأخرت فى التعامل مع الأزمة، وضربت ودنا من طين وودنا مع عجين مثل النظام
السابق بالضبط، ثم ارتكبت الخطيئة الثالثة حينما وضعت الملف فى يد اللواء
منصور العيسوى، وكأنها تقول للناس إن شيئاً فى مصر لم يتغير، وستظل الملفات
فى يد الأجهزة الأمنية، ومقابل تلك الأخطاء طور أهالى قنا من احتجاجهم،
وأضافوا إليه أشكالاً غير قانونية، تمثلت فى قطع خطوط السكك الحديدية، وبعض
أعمال العنف، اعتماداً على أن الدولة أصبحت أضعف من أن تنهى اعتصاماً أو
تمنع احتجاجاً، واستناداً إلى الدكتور شرف الذى استجاب لضغوط الأثريين
والسلفيين وشباب المتظاهرين فى ميدان التحرير، سيستجيب لاحتجاجهم، وحينما
شعرت الحكومة أنها غرقت فى بحر من الإحراج، حاولت أن تستخدم هيبة الدولة
كطوق نجاة، وحاولت وسائل الإعلام أن تساعدها بالعودة إلى الحديث عن هيبة
الدولة ومكانتها، وضرورة احترام القانون، ولكن الوقت كان قد فات، لأن
الدكتور شرف ووزراءه والمجلس العسكرى سحبوا من رصيد هيبة الدولة، ممايجعل
الدولة أضعف من أن تواجه المتظاهرين فى قنا أو فى أى مكان آخر.

فى
ملف قنا ارتكب الدكتور عصام شرف خطأ ظاهره وباطنه حسن النية، ولكنه يحمل فى
وجهه الآخر سذاجة سياسية، ونعومة لا تصلح فى الوقت الحالى كما قلنا، تخيل
الدكتور شرف أن زيارة يقوم بها لقنا يلقى فيها المزيد من كلمات المشاعر على
الأهالى، وينزل ليجلس بينهم على الأرض، ويسير بينهم دون حراسة، قد تبهرهم
بعصر مابعد الثورة الجميل، فنشر على تويتر رسالة تقول بأنه يطلب من أهل قنا
أن يقبلوه ضيفا عليهم من أجل مناقشة الأزمة وحلها؟.. استخدم الدكتور شرف
تويتر، غافلا عن أنه يكلم مئات المتظاهرين الجالسين على خط سكة حديد فى
برارى مصر، وليس وائل غنيم وبقية شباب الثورة، ووضع نفسه دون أن يدرى فى
مأزق سياسى ملخصه سؤال واحد هو ماذا لو رفض أهالى قنا الزيارة؟ وهو ماحدث
بالفعل بعدما أعلنوا أن أى زيارة لن تحل الموقف، لأن الحل الوحيد هو رحيل
المحافظ عماد ميخائيل، هل يعنى ذلك أن رئيس الوزراء سيكون محرماً عليه
النزول إلى قنا؟ وهل يعنى ذلك أن رئيس وزراء مصر سيستأذن قبل زيارة مدن
ومحافظات مصر لممارسة مهام عمله.. وماذا لو رفض أهل مدينة ما استقباله؟.

حكومة لا يراقبها أحد
نعومة
الدكتور شرف وحالة الرخاوة التى يتعامل بها وزراؤه ليست هى أزمة تلك
الحكومة الوحيدة، فنحن أمام حكومة لا يراقبها أحد، ولا تراقب هى نفسها،
بدليل أن سقف تصريحات وزرائها دائما أعلى من قدرتهم أو على الأقل أعلى من
التوقعات التى توحى بها الظروف التى يعيشها البلد، أو أعلى ممايحدث فى أرض
الواقع، تلك الحكومة وعدت بحل أزمة الشرطة والبلطجة، ولم يحدث حتى الآن،
ومازال انتشار الشرطة فى الشوارع ضعيفاً، وفشلت فى التخلص من الدكتور يحيى
الجمل نائب رئيس الوزراء، ومن تصريحاته الفاشلة والمستفزة والمزعجة، وفشلت
فى حماية الأراضى الزراعية من الانتهاكات، وانشغلت مثلها مثل رجل الشارع
العادى فى الحديث عن مبارك وأولاده، وهل الرئيس السابق مصاب بالكحة أم
الإسهال؟ وهل نام جمال على الأرض ولا على البورش؟، لتقع فى نفس خطأ النظام
السابق، وتعتمد على الشعارات والتطمينات فى إدارة البلد بدلا من وضع خطة..
فلا هى، ولا المجلس خرجوا علينا بخارطة طريق واضحة أو سمعنا أنهم يعكفون
على دراسة خطة مستقبلية أو مرحلية للأيام القادمة، فوضع تلك الخطط لا يحتاج
إلى وقت كما يبرر البعض تأخر ظهورها، الحكومة كما قلنا تفعل مثلما يفعل
رجل الشارع العادى بل وتشاركه فى استهلاك الوقت فى نقاشات كان يمكن أن تدور
إلى جانب دوران عجلة الإنتاج، على أن يبقى السياسيون والقانونيون منشغلين
بالتعديلات الدستورية والمحاكمات وغيرها، والعلماء منشغلين فى نفس الوقت
بوضع الخطط المستقبلية والعلمية، لمصلحة البلد، لابد أن يقتنع الدكتور شرف
بأن للدولة أنيابا لابد أن تظهر للدفاع عن القانون وحق المواطن، وليس لنهش
لحمه كما كان يحدث فى الماضى، لمصلحة مصر لابد أن يؤمن المجلس العسكرى
والوزراء ورئيسهم بذلك الأثر الإسلامى القائل: «اخشوشنوا فإن النعم لا
تدوم»، أو بمعنى آخر أظهروا القوة لأن رصيد المحبة وحماس الثورة الذى يمنح
الناس بعض الرضا عن الأحوال المرتبكة لا يدوم، لمصلحة هذا الوطن.. لابد أن
يقتنع الدكتور شرف ووزراؤه بأنهم ليسوا حكومة تسيير أعمال مهمتها إرضاء
الرأى العام، وعدم الاصطدام به وإغضابه.

الاستسهال والاستسلام لمنطق
تسيير الأعمال الذى ترفعه تلك الحكومة شعارا مع المجلس العسكرى هو الخطر
بعينه، لأنه يفرض علينا جميعا أن نشاركهم هذا الاستسلام ونجلس واضعين
الأيدى على الخدود فى انتظار الرئيس القادم حتى يضع الخطط وينظم الأمور،
وأنتم تعلمون أن فترات الانتظار كلها ملل، وتعرفون أيضاً أن أصحاب أوقات
الفراغ فى مصر ينصبون أنفسهم قضاة اعتماداً على المثل القائل «الفاضى يعمل
قاضى»، وتشعرون أننا بالفعل نعيش الآن عصر الإفتاء، الكل يفتى بما لا يعلم،
وفوضى الفتوى فى الحياة تصنع الانفلات والتطرف والتعصب وتعود بأصحابها
عشرات الخطوات إلى الوراء مثلما تفعل فوضى الفتوى فى الدين تماماً.