في البداية أحب أنوه، أن تفاصيل هذة العملية مازالت حتى هذي اللحظة أسيرة التجاهل و الملفات السرية، للجيش المصري، حتى لم يتم لي حتى هذة اللحظة معرفة الأسم الحقيقي لها و لذلك اطلقت عليها هذا اللقب من عندي لأني لم أعرف الأسم الكودي لها.

بعد الإنتصار المروع للجيش المصري في حرب أكتوبر المجيدة عام (1973) و تحطيم خط بارليف بالكامل و التوغل العسكري للجيش المصري في (سيناء)، و إندحار الجيش الإسرائيلي للخلف، و تلقيه خسائر بشرية و مادية و عسكرية مروعة، تحركت (إسرائيل) و حلفائها من أجل إيقاف التقدم العسكر السريع للجيش المصري، و تم إنشاء الجسر الجوي الأمريكي الشهير من أجل تدعيم إسرائيل عسكريا من أجل مواصلة المعركة اما الجيش المصري و وقف تقدمه بكل قوة، و الحد من الإنتصار العسكري و السياسي ل(مصر)، و التمهيد بأي شكل من الأشكال لقلب المعركة و إعادة المصريين للخف وراء قناة السويس مرة أخرى.

و كان في تلك الأثناء بداية تطوير الهجوم المصري يوم (14 أكتوبر) لتخفيف العبأء على الجبهة السورية، و والوصول لأكبر مساحة محررة من التراب الغالي، قبل نفاذ الأسلحة و الذخيرة المتوقع من الجيش المصري، خاصة و أن أساس الخطة الموضوعة للحرب لم تتضمن تحرير سيناء بالكامل، و أنما بالطبع تحرير على مراحل يأتي عسكريا بنصر محقق بشكل جزئي و الدخول بعد ذلك في تفاوض سياسي على أساس هذا النصر لإجبار إسرائيل على الإنسحاب من (سيناء).
و على الجانب الأخر كانت العملية العسكرية التي قامت بها القوات الإسرائيلية المشهورة بإسم (الثغرة) و التي كانت عبار عند إحداث ثغرة مابين الجيش الثاني و الثالث عبر فرق (كوماندوز)، لإحداث خللة في العمق المصري، تمهيدا لهجوم إسرائيلي لدحر الجيش المصري.
و لكن (ثغرة الدفروسوار) لم تكن تشكل خطورة ذات معنى على الجيش المصري، لسباب عديدة أبسطها:
1- الفشل الذريع للكوماندوز الإسرائيلي في تنفيذ العملية، ووقوعهم في مصيدة بين الجيش الثاني و الثالث.
2- وجود خطة محكمة موضوعة بعناية فائقة من المشير (محمد عبد الغني الجمسي) في حالة تطور الوضع، لإغلاق الثغرة بالكامل، مع الحفاظ على ما تم تحقيقه من مكاسب عسكرية للجيش المصري دون التحرك خطوة واحدة للخلف.
3- كان من ضمن الخطة الإسرائيلية هجوم عسكري كاسح على مدينة (السويس)، إستغلالا للصدمة التي ستقع للجيش المصري، من الثغرة و لكن العملية فشلت بسبب فشل الإسرائيلين في دخول (السويس) بسبب المقاومة العنيفة التي تلقوها من شعب (السويس) الباسل، و أيضا لأن الجيش الإسرائيلي دخل في حرب شوارع غير متكافئة على الإطلاق.

و لكن (الثغرة) لم تكن المشكلة للقياة المصرية على الإطلاق، بل كانت المشكلة هي الجسر الجوي الأمريكي الذي كان يمد إسرائيل بكل الأسلحة و المعدات و الذخيرة الازمة لإقامة جيش أخر غير الجيش الإسرائيلي، لرد الهجوم المصري، مما دعا الرئيس (السادات) إلى التفكير الجدي في وقف إطلاق النار، الذي دعا إليه مجلس الأمن، و (امريكا) يوم 7 أكتوبر على ما أذكر، و خاصة أن المخزون الإستراتيجي بدأ فعليا في النفاذ للجيش المصري، و لذلك وافق السادات على وقف إطلاق النار بضمانات من (أمريكا) و (الإتحاد السوفيتي) من اجل الحفاظ على النصر المحقق، التمهيد لبدا محادثات سياسية لتحرير الأرض.

وقبل قبول وقف إطلاق النار، كانت هناك مشكلة، تعوق القرار العسكري و السياسي، حيث وضع القادة العسكريين إحتمال قوي لرفض (إسرائيل) و حلفائها، طلب مصر و إستمرارها في العمليات العسكرية، خاصة و أن الموقف العسكري كان متغير بعد الإمدادات القوية السابق ذكرها (لإسرائيل)، مما يضع التفوق العسكري الإسرائيلي أمر مؤكد في حالة إستمرار القتال، خاصة و أن (مصر) في بداية الحرب لم تقبل وقف إطلاق النار، مما وضع إحتمال كبير لرفض (إسرائيل) وقف إطلاق النار و إستمرار العمليات العسكرية بدعم عسكري قوي من (امريكا) لدحر الجيش المصري وراء القناة مرى أخرى.

و هنا توقع قادة الجيش المصري، رفض (إسرائيل) الهدنة، على أساس ما قامت به (مصر) في البداية، و كان لابد من حل عسكري مباشر، لإجبار إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار، لابد من عملية عسكرية محدودة، في العمق الإسرائيلي، تستهدف تدمير مواقع إستراتيجية حساسة خلف خطوط العدو، عملية سريعة و خاطفة، منها تخسر (إٍسرائيل) مواقع الإمداد الإستراتيجي القريبة من خط النار، و إيضا تضع القيادة الإسرائيلية في وضع محرج بسبب تعطل الدعم المباشر لقواتها، مما سيجعلها تخسر عنصر التفوق العسكري على (مصر)، و إستحالة إقامة مواقع إمداد مباشرة للمؤن و الذخيرة و الوقود في وقت قصير نسبيا، مما يعني أيضا قصور رهيبة في إمدادات الجيش الإسرائيلي، و أيضا خسارة عنصر التفوق العسكري، بسبب التنظيم العسكري المصري المتفوق و بشدة على (إٍسرائيل) بالرغم من قلة مخزونه الإستراتيجي.

و رأى قادة الجيش المصري، إقامة عملية محدودة في العمق لتدمير المواقع الإستراتيجية مثل، مخازن الذخيرة و المدفعية، و مخازن السلاح، و معسكرات المدرعات و الدبابات و مخازن الوقود.
و كما سبق و ذكرت لم يتح لي تفاصيل معمقة بشكل قوي عن التفاصيل الدقيق للعملية، ولم أستطع بالتحديد معرفة المواقع التي تم إستهدافها بالتحديد، حتى لم أستطع معرفة أفراد العملية نظرا لأن العملية مازالت تنطلي تحت بند السرية المطلقة.
كل ما إستطعت التوصل إليه، هو ان العملية تمت بمعرفة فرق الصاعقة المصرية، قبل قبول (مصر) بشكل رسمي قرار و قف إطلاق النار، بساعة واحدة فقط صباح يوم (28 أكتوبر) إن لم تخني الذاكرة.
قبل ذلك كان تم تكليف فرق الصاعقة المصرية بالعملية و الهدف، مواقع ضخمة لتشوين الذخيرة و الوقود، قريبة من خطوط العدو.
و لقد تم التخطيط للعملية بشكل رائع، حيث كانت تقتضي الخطة إرسال 8 فرق صاعقة على 3 مجموعات، المجموعة الأولى تقوم بتدمير حقول البترول في جنوب سيناء و قاعدة صواريخ تغطي صواريخها قوات الجيش الإسرائيلي في الثغرة، و مواقع تمركز الدبابات و المدرعات و ورش الإصلاحات الخاصة بها، و مواقع الذخيرة في هذه المنطقة. المجموعة الثانية تقوم بنفس العملية و لكن في شمال سيناء حيث تقوم بتدمير حقلين بترول و مخازن ذخيرة للمدرعات و الأفراد و أيضا تدمير معسكر تابع للمخابرات العسكرية الإسرائيلية. المجموعة الثالثة و هي الأهم و الأخطر و كان هدفها هو تدمير قيادة (قطاع الوسط الإسرائيلي) و تدمير مراكز الإتصالات الرئيسية التي تربط بين القوات في الشمال و الجنوب. مما يعطي فرصة قوية لإنجاح العملية بشكل خاطف و سريع و صامت أيضا......
و لقد تم تحديد زمن التنفيذ في ساعة واحدة، و لم أستطع أن أعرف سبب لهذا الزمن و لكن على ألأرجح، أنها الفرصة ألأفضل للقيام بعملية ضخمة و خاطفة على هذا النحو السريع.
و لقد حددت (المخابرات العامة) و معها (المخابرات الحربية) المواقع المطلوبة بدقة شديدة، عبر عملاء (رجال الصمت) في الجهازين، و صدق على الخطة المشير (أحمد إسماعيل)، ثم الرئيس (السادات) و تم تحديد ميعاد العملية قبل قبول وقف إطلاق النار كما سبق و ذكرت بساعة واحدة.

ساعة واحدة يتم في خلالها تدمير مواقع الذخيرة و الوقود و مواقع ورش و تجريج الدبابات و المدرعات، ساعة واحدة يتم في خلالها عملية تتوقف عليها مصير أمة بأكملها لإعلان النصر الكامل و المكمل على العدو الإسرائيلي.

بكل المقاييس العسكرية في ذلك الوقت و حتى وقتنا و زماننا هذا، عملية مستحيلة.

نعم مستحيلة......................

و غير قابلة للحدوث................

ساعة و احدة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ساعة واحدة، مطلوب فيها قلب موازين الحرب مرة أخرى ؟

ساعة واحدة مطلوب فيها تحقيق إنتصار عنيف و بشكل غير ؟

بالطبع أمر من رابع المستحيلات، إن لم يكن خامسا .......

و لكن.....

هولاء جنود مصر....

خير أجناد الأرض .....

أسود عبروا و إنتصروا و حصروا و قاوموا .....

و ليتهم أي أسود .......

أنهم أسود الصاعقة المصرية......

أسود الرعب المصري .........

ذئاب الغضب المصري ........

عظماء البطولة و التضحية و الفداء .........

أبطال يندر وجودهم في كل الأزمان ..........

أبطال كتب عليهم التضحية، و كتبوا على أنفسهم عهدا بالنصر مهما أن كان الثمن، من أجل (مصر) !

من أجل التراب الغالي !

من أجل الشرف العالي !

من أجل العزة !

من أجل الكرامة !

و تجمعت الأسود ....

و بدأت الرحلة ......

رحلة العاصفة الأخيرة ......

فور وصول إشارة البدء بتنفيذ العملية، تحركت (حسب ماوصلت إليه من معلومات)، 8 فرق من قوات الصاعقة المصرية، و على حد عملي البسيط، قسموا إلى ثلاث مجموعات و هم:
1.المجموعة الأولى فريقان أخذوا بعد اللنشات المطاطية و عبرو البحر الأحمر في جنوب سيناء و تسللوا من خليج العقبة. المجموعة الأولى تتكون من فريقان تسللوا من الجنوب كان هدفهم، هو تدمير حقلين بترول في جنوب سيناء و 3 مواقع ذخيرة دبابات، و مخزنين وقود، و قاعدة صواريخ.
2. المجموعة الثانية تسللت بنفس الأسلوب و لكن من شمال سيناء عبر البحر الأبيض المتوسط، المجموعة الثانية تتكون من فريقان، كان هدفهم 6 مواقع وقود، و 3 مواقع ذخيرة، و قاعدتين صواريخ، و معسكر تابع للمخابرات العسكرية الإسرائيلية.
3. المجموعة الثالثة في قلب سيناء، و بالتحديد ناحية قيادة قطاع الوسط الإسرائيلي المجموعة الثالثة التي تتكون من 4 فرق كان هدفهم تدمير موقع (قيادة قطاع الوسط الإسرائيلي) و تعطيل مواقع الإتصالات الرئيسية الواقعة به، لمنع أي تحذيرات أو إنذارات تمرر من المواقع الأخرى المعرضة للضرب من الفرق الأخرى.

و لقد قرأت في بعض مصادري ان هذة العملية كانت أيضا تستهدف القبض على قائد (قطاع الوسط الإسرائيلي) في سيناء (أرييل شارون) و أسره و لكني لم أستطع التأكد من هذة المعلومة بشكل صحيح.

و بدأت العاصفة......

و في تمام الساعة 6 صباحة وصلت جميع الفرق لمواقعها المطلوبة.

و في السادسة و الثلث كانت المجموعة الثالثة إحتلت (قيادة قطاع الوسط الإسرائيلي) و دمرت جميع أجهزة إتصالاتها.

و في السادسة و النصف، دمرت المجموعة الأولى حقول البترول في منطقتها و مواقع الذخيرة المطلوبة منها و قاعدة الصواريخ، و مواقع ورش الدبابات و الجراجات الخاصة بها.

و في السادسة و 45 دقيقة، كانت المجموعة الثانية نفذت مهمتها بنجاح و تم تدمير اهدافها بشكل كامل، حيث تم تدمير موقع عسكري تابع للمخابرات العسكرية الإسرائيلية وهو موقع على حد عملي مختص بالتجسس على إتصالات الجيش الثاني الميداني، و دمر حقلين بترول من أكبر حقول البترول في شمال سيناء، و أيضا دمر مواقع الذخيرة و الجراجات الخاصة بالدبابات.

و في تمام الساعة 7 صباحا بتوقيت (القاهرة)، قبلت (مصر) وقف إطلاق النار و تجميد العمليات العسكرية بشكل كامل مع ضمانات مباشرة من (الإتحاد السوفيتي) و (الولايات المتحدة الأمريكية).

كل هذا و مركز قيادة الجيش الإسرائيلي في غزة على جهل تام بالعملية و لم يعرف بأي أخبار عنها سوى في الساعة 7 و الربع، أي بعد ربع ساعة كاملة من قبول (مصر) وقف إطلاق النار !!!!!!!

و أهتزت القيادة الإسرائيلية بعنف للعملية المصرية، و أصيب (موشي ديان) كالعادة بهياج عصبي و أصيب قبلها بصدمة عنيفة في المخ هو وجنرالات الجيش الإسرائيلي الذين بدأوا في إستعادة الأمل في قلب النصر المصري إلى إكتساح إسرائيلي، أصيبوا جميعا بصدمة تحمل توقيع أسود الصاعقة المصرية .............

و قبلت (جولدا مائير) رئيسة الوزراء الإسرائيلية مجبرة، وقف إطلاق النار بعد أن رأت انه من المستحيل القيام برد عنيف في ذلك الوقت على (مصر) نظرأ للخسارة العنيفة في عمق خطوط الجيش الإسرائيلي، و تقدم أيضا وزير الدفاع (موشي ديان) بإستقالته، بعد أن أدرك أنه فشل فشلا ذريعا في إدرارة الحرب ضد جيش منظم و مرتب و يمتلك خير أجناد الأرض. و لكن رفضت إستقالته بشكل مؤقت بسبب الظروف العسكرية في ذلك القوت و إستحالة خروجه في هذا التوقيت بإستقالة من قيادة الجيش.

وفي تمام الساعة السابعة و 45 دقيقة عبرت المجموعات الثلاثة طريق العودة إلى أرض الوطن تاركة خلفها، جحيم مرعب للعدو المتغطرس، و جهنم حمراء لجنوده.

يالهم من رجال عظماء ....

يالهم من رجال شرفاء ....

يالهم من رجال أقوياء ....

أبطال الحرب و الكرامة، و الشجاعة و الرجولة، أوقفوا التقدم الإسرائيلي في 60 دقيقة، و خلقوات عاصفة من الدمار و النار في قلوب عدوهم، و نصروا جيشهم و قادتهم و أنتصروا على خوفهم، و كتبوا في التاريخ إنتصارهم و أخذهم بثأر زملائهم الشهداء الأبرار الذين راحوا دون فرصة للقتال امام عدو رآه كل الجبناء، متجبر جبار.

تحية خجولة مليئة بالحسرة على نفس صاحبها من نفسه، إلى الأبطال و العظماء و الشهداء و الأقوياء و الشرفاء، تحية للرجال، تحية من مواطن لايقارن بهم في أي وجه مقارنة، فكيف يقارن إنسان بسيط مثلي بأبطال ضحوا بدمائهم الذكية
من أجل الوطن و ترابه الغالي...........................





مواطن مصري.......................