البلاد بشر ..!!
نحب بلاداً ونبغض أخرى ..
نتغزل فى بقاع ونلعن أخرى ..
نُقبل ثرى أرض ونبصق على ثرى أرض أخرى ..
وفى عالم البشر ليس هناك أكثر حميمية من علاقة الأمومة ..
فالأم حُضن المرء ورَحِمُه ..
لذا أدرك البشر منذ زمن بعيد أن ما يربط الإنسان بمسقط رأسه ووطن طفولته أشبه ..
بما يربط الإنسان بأمه .. فأطلقوا على البلد التى يفتح عليها الإنسان عينيه ويتنسم فى المهد عبيرها ..

" الوطن الأم "
ونحن مربوطون بحبل سُرى لا ينقطع بمصر .. الأم التى أرضعتنا الصلابة والتّحمل والصبر
اللامتناهى على الكدح وأورثتنا بعض حِدة أخفاها طول التّمرس "
بإتيكيت " العالم لكنها تشب برأسها بين الحين والآخر كعاصفة غير متّوقعة ..!!


البلاد بشر .. وللبشر نقوش فوق وجه الزمان


البلاد بشر .. نعلق صور من نحبهم فى غرف قلوبنا


البلاد بشر .. وليس أكثر إيلاماً للبشر من وجع البعاد


البلاد بشر .. يتنسمّ المرء عبيرهم أو تزكمه رائحتهم


البلاد بشر .. والبشر هم من يمنحون البلاد ألوانها


البلاد بشر ... والبشر مقطع أغنية وأبيات أشعار


البلاد بشر .. والبشر سطور حكاية طويلة لا تنقصها الإثارة ولا يعوزها الخيال


البلاد بشر .. ومصر فى مخيلتنا إمرأة فى خريف عمرها ريفية هى ننتشى بمشهدها وهى تحمل
" الزِلعة "
على رأسها وتتهادى على شط " الترعة " بجلبابها الأسود تحكى قصة فَقد لم تُنمح ذكراه ..
ربما تبكى مجداً ضائعاً حين كانت مصر عاصمة العالم فى عهد لم يعد يذكره إلا تُجار آثارها الذين يتكاثرون كفئرانها أو تبكى مستقبلاً يبدده مزيج قائم من التّسلط والغباء أو تنوح على بشر بعضهم رغبة دفع ثمن العيش فى كرامة وإختاروا أن يكونوا حلقة صدئة فى سلسلة القهر لكنها بالرغم من سواد الرداء وعلامات الكهولة مازالت تحمل أثراً من جمال يتّبدى فى شبابها وشاباتها ممن يحملون حلمها فى قلوبهم ويواجهون تصحر العقل وجفاف الروح .. هؤلاء هم مهجتها وفخرها وعزتها وعزوتها تحسبهم فرادى وقلوبهم يجمعها هم المستقبل سيماهم فى وجوههم سمار الجباه وطيبة الوجوه وإلتماعات الجدية التى تبرق فى العيون .
لا فرق فيهم بين من يجر "
جاموسته " فلا طلعة الشمس إلى الحقل .. ومن تقف النهار بطوله تخط حروف الأبجدية فى كراسات أطفال لا تنقصهم النجابة .


البلاد بشر .. ومصر أمى التى أخاف أن ينضب بئر الشوق لها أو أن تتبلد سماء علاقتى بها بدخان
الخوف أو غمام اليأس ..
أتمنى أن أظل دوماً مشدوداً إلى مصر .. التى فى ذاكرتى
ومتشبساً بمصر التى فى أحلامى ..
أو أن تظل كعهدى بها قلباً وسيعاً .. وحضناً آمناً