أمن
مصر المائى مهدد بسبب استخداماتنا الخاطئة.. و"الخارجية" لم تكن مسئولة عن
ملف "الاتفاقية الإطارية".. ولن نحل أزمة حوض النيل بالحرب.. و"مبارك" حول
أفريقيا لملف أمنى بعد حادث أديس أبابا



الإثنين، 23 مايو 2011 - 00:21
أمن مصر المائى مهدد بسبب استخداماتنا الخاطئة.. و"الخارجية" لم تكن مسئولة عن ملف "الاتفاقية الإطارية".. ولن نحل أزمة حوض النيل بالحرب.. و"مبارك" حول أفريقيا لملف أمنى بعد حادث أديس أبابا S5201026121532
السفير أحمد حجاج



بعد
أن خدم لأكثر من 20 عاما على المستويين الدبلوماسى والإنسانى فى أفريقيا،
أكد السفير أحمد حجاج الأمين العام للجمعية الأفريقية، ومساعد وزير
الخارجية السابق للشئون الإفريقية والمبعوث الخاص للرئيس السابق حسنى مبارك
إلى العديد من المنتديات الأفريقية الهامة، أن إثيوبيا ستصدق على
الاتفاقية الإطارية التعاونية بعد عدة أشهر، وأن الدبلوماسية الشعبية لن
تحل محل الدبلوماسية الرسمية، لأن من سيوقع فى النهاية على أى اتفاق
مستقبلى هى الدبلوماسية الرسمية.

وأوضح حجاج، فى حواره مع "اليوم
السابع"، أنه لا يمكن أن تخوض مصر حربا على المياه، ولن تنجح فى فرض حل
معين عن طريق الحرب، بل يجب التفاهم مع دول الحوض.. وإلى تفاصيل الحوار..

*
قرار إثيوبيا بتأجيل التوقيع على الاتفاقية الإطارية بعد موقفها المتشدد
من قبل استجابة لطلب وفد الدبلوماسية الشعبية كان مفاجئا للكثيرين.. كيف
ترى هذا القرار؟
- إثيوبيا قالت إنها ستؤجل التوقيع على الاتفاقية
الإطارية، وأشارت إلى أن بعض تصريحات وفد الدبلوماسية الشعبية غير صحيحة،
وأنها ستصدق على هذه الاتفاقية بعد عدة أشهر عقب تشكيل الحكومة المصرية
الجديدة بعد إجراء الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر القادم، صحيح أن
الدبلوماسية الشعبية قامت بدور فى تهدئة الأوضاع وتوفير فرصة للمفاوضات مع
الحكومة المصرية الرسمية وإفهام دول الحوض، بشعوبها ومجتمعها المدنى
بالأضرار التى ستعود على مصر بنقص حصتها فى مياه النيل إذا ما أقيمت
مشروعات على حوض النيل دون مشاورات أو اتفاق مع دولتى المصب "مصر
والسودان"، ولكن الدبلوماسية الشعبية لن تحل محل الدبلوماسية الرسمية، وقد
تكون مكملة لها فقط، وفى النهاية الدبلوماسية الرسمية هى التى ستوقع على أى
اتفاق مستقبلى، إلا أن بعض الصحف المصرية انساقت فى إطار توقعات مبالغ
فيها جدا عن المواقف التى اتخذتها بعض دول حوض النيل.

• إذن ما فعله وفد الدبلوماسية الشعبية مجرد تحصيل حاصل؟
-
ما قام به وفد الدبلوماسية الشعبية تجاه إثيوبيا، أعطى فرصة لشرح وجهة
النظر الشعب المصرى للشعب والقيادات الإثيوبية حول القلق الكبير الذى يعترى
مصر دولة وشعبا من تأثير المشروعات التى ترغب فى بنائها فى النهر على حصة
مصر من مياه النيل، خاصة فى ضوء تزايد السكان وتنامى حاجات الشعب المصرى من
الغذاء وغير ذلك.

• هل تعتقد أن أمن مصر المائى مهدد؟
- الأمن
المائى مهدد طبعا من الاستخدامات الخاطئة من الشعب المصرى أولا، نحن لا
نحسن استخدام مواردنا المائية ونهدرها فى مشروعات عائدها الاقتصادى بسيط
جدا، واستخدام أفراد الشعب المصرى للمياه سواء من قبل المزارعين أو
المواطنين به إهدار كميات كبيرة، وهو أمر غير مبرر ولا يجب السكوت عليه،
ويجب أن نعدل من سلوكياتنا المائية. وفى الوقت نفسه تؤثر أى مشروعات فى
أعالى النيل على حصة مصر من المياه ويجب أن نكون متنبهين لهذا الموضوع
ونحاول أن نحله بالتفاهم وليس بالتصادم.

• هل تخوض مصر حربا على المياه؟
-
لا يمكن أن تخوض مصر حربا على المياه ولن تنجح فى فرض حل معين عن طريق
الحرب، بل يجب التفاهم مع دول الحوض، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك عناصر
تستغل بعض التصريحات غير المسئولة التى تصدرها عدد من الصحف المصرية بأن
على مصر أن تخوض حربا من أجل المياه، ولكن دول حوض النيل بعيدة جدا ووعرة
وشاقة ومصر قررت عدم خوض أى حرب خارج بلادها ودفاعها فقط عن أراضيها.

• ما أسلوب التعامل الأمثل الذى يجب أن تتخذه مصر تجاه إثيوبيا تحديدا؟
-
إثيوبيا دولة كبيرة، تعدادها يماثل تعداد مصر تقريبا، ولها حضارة قديمة
مثلنا أيضا، ويجب أن نعاملها معاملة الند للند وليس كدولة عادية فى القارة
الأفريقية، ويجب أيضا أن نعطى أهمية للبعدين الثقافى والاقتصادى للعلاقات
الإثيوبية المصرية، وألا تقتصر على بعض الزيارات الموسمية من هنا وهناك.

• كيف تقيم التعاون الاقتصادى والثقافى بين مصر والدول الأفريقية عامة وإثيوبيا خاصة؟
-
لا تستطيع الحكومة المصرية أن تقوم بكل الاستثمارات المطلوبة أفريقيا، هذه
العملية تكلف بلايين الدولارات التى لا اعتقد أنه تتوافر لدى الحكومة
المصرية، وأرجو هنا أن يبحث القطاع الخاص عن فرص للاستثمار وهى موجودة
بالفعل ومرحب بها، وحتى فى إثيوبيا هناك استثمارات مصرية- إثيوبية لا بأس
بها بدأت خلال الأربع أو الخمس أعوام السابقة ويجب زيادتها وإبعاد الاقتصاد
عن السياسة، ويجب أن يكون هناك اتفاق بين الجانيين، بحيث إذا حدث خلاف بين
القيادتين السياستين لا يؤثر ذلك على التبادل التجارى، مثلما يحدث فى
أوربا حيث تحدث خلافات سياسية بين بريطانيا وفرنسا ولكن هذا لا يؤثر على
العلاقات الاقتصادية بينهما، وما يجمعنا مع إثيوبيا ليس فقط نهر النيل ولكن
تجمعنا أيضا "الكوميسا"، وقد زادت الصادرات المصرية إلى إثيوبيا بشكل
ملحوظ وهناك أيضا واردات كثيرة للقاهرة من أديس أبابا.

• إذن قول البعض أن أزمة حوض النيل الآن ناجمة عن عدم إقامة مصر لمشروعات تنموية فى دول الحوض لا معنى له؟
-
حتى لو أقامت مصر مشرعات فى دول حوض النيل لن يؤثر ذلك على موقف هذه الدول
من إصرارها على الاستفادة من مواردها الطبيعية، بمعنى لو استثمرت مصر 20
مليار دولار لن يؤثر على موقف الحكومة الإثيوبية، يجب التفاوض والاتفاق مع
الحكومة الإثيوبية وباقى دول حوض النيل على طريقة الاستخدام الأمثل لموارد
المياه المتاحة فى كل دول حوض النيل.

• مع احتدام الأزمة بين مصر
وإثيوبيا اتهمت أديس أبابا القاهرة بدعم إريتريا التى تناصبها العداء
بالأسلحة ومنعت توظيف المصريين فى أى عمل له علاقة بالاتصالات لمنع حدوث
أعمال تجسس لصالح إريتريا.. ما تعليقك؟
- لا أظن أن المسئولين فى
إثيوبيا يمنعون توظيف المصريين فى مجال الاتصالات خوفا من التجسس لصالح
إريتريا، النظام الحاكم فى إثيوبيا كان متحالفا مع النظام الحاكم الحالى فى
إريتريا واختلفا فيما بعد وقامت بينهما حرب فلا يجب تحميل سوء العلاقات
الإثيوبية - الإريترية على عاتق مصر التى لا مصلحة لها فى إثارة الحروب أو
الخلافات بين الدولتين، وعلاقتنا مع إريتريا عادية ومصر ساعدت حركات تحرير
إريتريا فى السابق منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر حتى استقلت الآن.

• السفير عبد الأشعل قال فى أحد تصريحاته إن عمرو موسى سبب أزمة حوض النيل.. هل تتفق مع هذا التصريح؟
-
كنت مستشار عمرو موسى للشئون الأفريقية، وأشهد أن علاقاته مع كل دول حوض
النيل والرؤساء الأفارقة كانت ممتازة، وكانوا يستشيرونه فى مسائل لا تخص
فقط العلاقات مع مصر، ولكن علاقتهم مع الدول الأخرى والدول الكبرى، وعمرو
موسى قام بجهود كبيرة جدا فى تنمية العلاقات بين مصر والدول الأفريقية.

• هناك من يدعى انه أثناء طرح الاتفاقية الإطارية التعاونية عام 1998، أى وقت تولى موسى وزارة الخارجية، لم يستطع أن يفعل شيئا؟
- لم تكن وزارة الخارجية مسئولة عن ملف الاتفاقية التعاونية الإطارية بل كانت وزارات أخرى مسئولة مثل وزارة الرى وغيرها.

• كنت تشغل منصب المدير السابق للدائرة الأفريقية فى وزارة الخارجية ما هى الملفات التى أهملتها الوزارة بالنسبة لأفريقيا؟
-
وزارة الخارجية لم تهمل أفريقيا مطلقا حتى الآن، وغير صحيح أن مصر أهملت
أفريقيا، وبالرغم من أن مصر دولة فقيرة لكنها غنية بالموارد البشرية، فهى
الدولة الوحيدة التى لها أكبر عدد من البعثات الدبلوماسية والتجارية فى
القارة الأفريقية تفوق بعض الدول الكبرى، وهى الدولة الوحيدة التى تقدم منح
دراسية لـ15 ألف طالب أفريقى يدرسون فى المعاهد المصرية فى الوقت الحالى،
وهى الدولة الوحيدة التى تدرب العسكريين والزراعيين والدبلوماسيين بدون
مقابل فى معاهدها، كما انها ترسل معونات إنسانية غذائية وغير غذائية فى
حالة حدوث كوارث فى بعض الدول الأفريقية، ولكن يجب أن يساند هذه الجهود رأى
عام مقتنع بأهمية أفريقيا، لكن الرأى العام المصرى مشغول كثيرا بالقضية
الفلسطينية عن القضية الأفريقية، وفى تقديرى يجب إثارة أهمية أفريقيا للرأى
العام حتى يساند تحركات الحكومة فى هذا الصدد.

• ولكن تصريحات رئيس
البرلمان الإثيوبى عبد الله جيميدا، والرئيس الأوغندى يورى موسيفينى فى
أوائل هذا الشهر بأن النظام السابق هو المسئول عن تدهور العلاقات المصرية –
الأفريقية، يدل على أنه كان هناك تقصير بالفعل سواء من الخارجية أو
الرئاسة؟
- قد يكون هناك تقصير فى طريقة التعامل ولكن الدولة المصرية لم
تقصر فى الاهتمام بأفريقيا، والدليل زيارات الكثير من المسئولين الأفارقة
إلى مصر من رؤساء دول ووزراء خارجية، بالإضافة إلى اللجان المشتركة، كما
يوجد فى القاهرة أكبر تجمع لسفارات أفريقيا فى الخارج.

- هل على وزارة الخارجية أن تغير من طريقة تعاملها السابقة تجاه دول حوض النيل بشكل خاص وأفريقيا بشكل أعم؟
-
السياسة الأفريقية فى مصر لا تقوم بها وزارة الخارجية فقط، بل هناك عدة
سياسات مختلفة لا يتم التنسيق فيما بينها، فهناك سياسات لوزارات الخارجية
والدفاع والإعلام والأوقاف والاقتصاد ورئاسة الجمهورية، وسبق وأن حذرنا من
هذا الموضوع لأن ما تقدمه مصر من معونات عن طريق الوزارات المختلفة موضوع
هام جدا ولكن لا يتم تنسيقه او إبرازه إعلاميا حتى يقتنع الشعب المصرى نفسه
بأن دولته تسير فى الطريق الصحيح.

• كيف ترى دور الجامعة العربية فى أفريقيا، هل يمكنها أن تدعم موقف مصر والدول العربية بشكل عام فى القارة السمراء؟
-
مثلما يحدث فى مصر من عدم تنسيق، كل دولة عربية لها سياساتها الأفريقية،
ولا يتم التنسيق بين هذه السياسات، ولا تحدث اجتماعات فى الجامعة العربية
بين الدول العربية للتنسيق بين سياساتها فى الدول الأفريقية، ولكن تفضل كل
دولة أن تقوم بسياساتها المستقلة عن الدول الأخرى، هناك بعض المحاولات لعقد
اجتماعات للتعاون العربى الأفريقى ولكن منذ مؤتمر القمة العربى الأفريقى
الذى استضافته القاهرة فى مارس عام 1977 عُقد مؤتمر لا معنى له فى ليبيا من
العام الماضى.

• كنت تشغل منصب المبعوث الخاص للرئيس السابق حسنى
مبارك إلى العديد من المنتديات الأفريقية الهامة.. كيف كان يتعامل مبارك مع
أفريقيا وكيف كان ينظر لها؟
- كان تعامل الرئيس السابق حسنى مبارك مع
كل الرؤساء الأفارقة طيبا حتى جاءت حادثة محاولة اغتياله فى أديس ابابا سنة
1995، فمنذ ذلك الوقت أصبح العامل الأمنى مهم جدا فى زياراته للدول
الأفريقية، مما أثر على تحركاته وتحركات الدبلوماسية المصرية فى أفريقيا
على اعتبار أن هناك اجتماعات يجب أن يشارك فيها رئيس الدولة، فهذا الموضوع
كان معرقل ومعطل لزخم التحركات المصرية فى أفريقيا، ولكن كان يتم تعويض ذلك
باستقبال الكثير من الرؤساء الأفارقة هنا، عقدنا الكثير من مؤتمرات
الاتحاد الأفريقى فى مصر، كما رأست مصر منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد
الأفريقى مرتين عامى 1989 و1993، وهى أكثر دولة رأست القمم الأفريقية،
بالإضافة لرئاسة الرئيس عبد الناصر لأول مؤتمر قمة أفريقية عام 1964.

• إذا كان مبارك قد امتنع عن زيارة إفريقيا لأسباب أمنية، فلم لم يعوض غيابه غيره من المسئولين المصريين؟
- المسئولون المصريون كانوا لا يتحمسون لزيارة الدول الأفريقية.

• لماذا؟
- لا أعرف، كان بعضهم يقوم بذلك، ولا يجب أن نلقى التهمة على الجميع، ولكن تحسنت الأمور للأفضل فى السنوات الأخيرة.

• وأين وزارة الخارجية من إفريقيا؟
-
وزير الخارجية قام بأكبر زيارات فى حياته إلى القارة الأفريقية بل كل
وزراء الخارجية يزورون أفريقيا، فهناك اجتماعات تحتم حضور وزراء الخارجية
بالإضافة إلى القيام بجولات من اجل تدعيم العلاقات الثنائية، وعموما وزارة
الخارجية ليست هى المسئولة عن الملف الأفريقى بالكامل، وهناك وزارات أخرى
يجب أن لها دور فى ذلك.

• برأيك.. كيف نعيد مشروع جونجلى الذى يزود حصة مصر والسودان من مياه النيل؟
-
بعد إعلان استقلال جنوب السودان، تستطيع مصر أن تفتح باب المفاوضات مع
حكومة جنوب السودان لإعادة مشروع جونجلى بما يحقق فائدة ليس فقط لمصر
والسودان ولكن أيضا لحكومة جنوب السودان، وأعتقد أن هناك تفاهما فى هذا
الموضوع بناء على الزيارات الرسمية التى تمت من قبل لجوبا ومع وفد
الدبلوماسية الشعبية الذى قابل رئيس حكومة جنوب السودان.


يتوقع البعض أن تنضم دولة جنوب السودان الجديدة الى مجموعة شرق أفريقيا
ودول حوض النيل الشرقية.. هل يؤثر ذلك على علاقتنا مع الجنوب؟
- يمكن أن يؤثر، لكن من حق كل دولة أن تتخذ ما تراه فى صالحها ويجب أن تكون علاقتنا الثنائية قوية، ولا يجب أن نمنعها عن ذلك.

• وهناك من يرى أن ذلك سيؤثر بالسلب على حصة مصر من مياه النيل ؟
- لا أعتقد، وكل التصريحات التى أدلى بها قادة حكومة جنوب السودان مطمئنة ويجب أن نصدقها حتى يثبت العكس.

• قلت فى تصريحات سابقة أن تقسيم السودان يهدد الأمن القومى العربى..كيف؟ وكيف تنظر لعلاقة مصر المستقبلية مع دولة الجنوب الجديدة؟
-
تقسيم السودان قد يؤدى إلى تقسيمات أخرى فى العالم العربى الذى يحوى حركات
انفصالية كثيرة، ومادام قد تم استفتاء تقرير مصير جنوب السودان برضا أهل
السودان جميعا وقبل شمال السودان، فإنه يجب على مصر أن تقبل ذلك وأن تعترف
بحكومة جنوب السودان، وهو ما ستفعله بالفعل، وستعترف الحكومة المصرية
باستقلال جنوب السودان فى الأسبوع الثانى من يوليو المقبل. وكان لمصر
علاقات قوية قديمة مع شعب جنوب السودان من حيث زيارات المسئولين فيها"أعضاء
الحركة الشعبية لتحرير السودان" إلى مصر، وإعطاء منح دراسية لكثير من طلبة
جنوب السودان الذين أصبحوا الآن وزراء فى حكومة جنوب السودان.

• هل يؤدى النزاع على منطقة "أبيى" الغنيه بالنفط إلى حرب أهلية ثالثة بين الشمال والجنوب؟
-
الصراع على منطقة "أبيى" الحدودية النفطية، لن يؤدى إلى حرب أهلية ثالثة
بين الشمال والجنوب، ولكنه سيؤدى إلى اشتباكات قد تطول، وحاليا تزداد
نبرتها فى أحيان وتخفض فى بعض الأحيان ولكن سيتم الاتفاق فى النهاية بين
الطرفين على حل مشكلة "أبيى" بطريقة تفيد الجانبين فى اقتسام الثروة
والأرض.

• هل من الممكن إعادة توحيد السودان فى يوم من الأيام؟
-
هناك حركة فى جنوب السودان تقول إنه إذا عاد الجنوب إلى حضن الوطن الأم،
فسيكون ذلك باختيار شعب الجنوب ولعل ذلك يحدث فى السنوات المقبلة ولكن لن
يحدث فى القريب العاجل.

• بالنسبة إلى أزمة دارفور هناك من يقول إن دول الجوار السودانى وخاصة تشاد لها دور كبير فى هذه المشكلة؟
-
تشاد كان لها دور فى دعم حركات التمرد فى السودان، وبعد اتفاق الرئيس
السودانى عمر حسن البشير مع الرئيس التشادى إدريس ديبى، توقف دعم كلا
الدولتين لحركات التمرد فيهما، ولكن مفاوضات الدوحة لازالت تراوح نفسها،
هناك غموض فى مسيرة هذه المفاوضات، أعتقد بعد الانتهاء من مشكلة الجنوب
ستتفرغ حكومة السودان لإنهاء مشكلة دارفور.

• فى رأيك.. هل سيتكرر المشهد الانفصالى الجنوبى فى دارفور؟
-
كل المسئولين الذين قابلتهم من حركات التمرد فى دارفور، قالوا إنهم لا
يهدفون إلى الانفصال وإنما إصلاح السودان، بالرغم من أن دارفور لم تكن جزء
من السودان ولكن ضمتها بريطانيا سنة 1916 وقتلت سلطانها على دينار، وشعب
دارفور حارب مع الجيش السودانى فى الجنوب، ويجب ألا ننسى ذلك. ولكن هى
منطقة شاسعة تزيد مساحتها عن مساحة فرنسا، لا توجد فيها استثمارت تذكر،
بعيدة عن المركز، ويجب التركيز فيها على التنمية الاقتصادية وليس فقط
الحرب.

• بغض النظر عن تدخلات الدول الإقليمية.. ألا ترى أن النظام السودانى هو المسئول الأول عما يحدث فى دار فور الآن؟
-
كل الأنظمة السودانية منذ استقلال السودان أهملت دارفور، وهذا ما يشعر به
أهل دارفور فمنطقتهم كانت مهمشة من حيث الاستثمارات، واعتقد أن اتفاقية
أبوجا التى تم توقيعها عام 2006 لا بأس بها ولكنها لم تنفذ حتى الآن.

• كيف تقيم القيادة السودانية فى ظل الإحداث التى تشهدها حاليا ؟
- القيادات السودانية كلها أهملت دارفور وتنمية أنحاء السودان.

• فى أى من البلدان الأفريقية، سيتكرر المشهد السودانى الانفصالى فى رأيك؟
-
المشهد السودانى من حيث الانفصال يمكن أن يتكرر فى دول أفريقية أخرى لأن
كثير من الدول الأفريقية لديها حركات انفصالية مثل نيجيريا والكاميرون
والكونغو وخصوصا الصومال، وذلك لأن الحدود التى رسمتها الدول الاستعمارية
قديما كانت مصطنعة لا تأخذ اعتبارات القوميات الموجودة فكان هناك كبت لحقوق
هذه القوميات والأقليات من قبل القوى الحاكمة، وبالتالى فى أول فرصة تثور
هذه القوميات وتطالب بالانفصال.

• ولكن هل أسباب الانفصال لها علاقة فقط بالاستعمار الذى استطاع ان يقسم العديد من الدول الأفريقية إلى حدود؟
-
الانفصال له أسباب عديدة منها، تسلط فئة معينة على الحكم فى البلاد وعدم
إعطاء فرصة للقوميات الأخرى للمشاركة فى حكم البلاد، عدم اقتسام الثروة مع
الفئات الأخرى، والاستئثار بالوظائف ومنع ظهور أحزاب، زيادة حدة الفقر فى
الكثير من الدول الأفريقية وتمتع فئة صغيرة بالثراء، وكل هذه العوامل
وغيرها أدت مجتمعة إلى ظهور العناصر الانفصالية التى كانت صامتة لمدة بعد
عملية الاستقلال والتحرر من الاستعمار.

• ما هى الدول التى لا تريد لمصر أن توطد علاقاتها فى أفريقيا؟
-
هذا يتوقف على النشاط الذى تقوم به مصر وليس الدول الأخرى، هناك ترحيب بأى
دور تقوم به مصر سواء سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى أو ثقافى، أهملنا كثيرا
البعد الثقافى فى علاقتنا مع الدول الأفريقية، لازال فى أفريقيا الكثير
ممن يتحدثون باللغة العربية أكثر مما نتصور، يجب أن تكون هناك قنوات
تلفزيونية موجهة للقارة الأفريقية، لا تقوم بالدعاية لمصر فقط ولكن تقوم
أيضا بتعريف المواطن المصرى، المواطن المصرى معرفته بالثقافة الأفريقية
ضحلة جدا ولا يهتم بذلك، لا توجد حركة ترجمة للآداب الأفريقية فى اللغة
العربية فى مصر، فى حين أن الآداب الأفريقية معروفة جدا عالميا والأفلام
السينمائية البسيطة التى تنتج فى أفريقيا تحصل على جوائز فى أرفع
المهرجانات السينمائية العالمية، التلفزيون المصرى لا يعرض أفلام أفريقية
حتى وثائقية، يجب أن يكون هناك اهتمام شعبى من كل فئات المجتمع سواء كدولة
أو فئات المجتمع الشعبية المختلفة.

• ولكن أثناء ذروة أزمة حوض النيل، هناك من أرجع هذه الأزمة إلى دور إسرائيل فى أفريقيا ؟
-
نحن نعطى لإسرائيل أهمية أكثر مما تستحق، الدول الأفريقية تتذكر مساعدات
مصر وعلاقاتها مع مصر أكبر كثيرا من علاقاتها مع إسرائيل، فيجب ألا نعول
كثيرا على الدور الإسرائيلى، حتى لا نعطيهم المبرر لأن يعطوا لأنفسهم السبق
فى منع مصر من القيام بأى أنشطة فى أفريقيا وهذا غير صحيح.

• كيف تنظر لدور بعض الدول الإقليمية المحيطة بمصر فى أفريقيا؟
-
هناك دول تخصص أموال كبيرة للصرف فى أفريقيا، بينما تتميز مصر عن ذلك
بوجود العديد من الخبراء فى الشئون الأفريقية مع الأخذ فى الاعتبار أن
عددهم يتناقص، ولكن هناك الجاذبية المصرية فى الثقافة والسياحة، وأيضا
الاقتصاد فمصر ثانى أقوى اقتصاد فى أفريقيا، فيجب أن نستغل ذلك فى زيادة
الصادرات والمنتجات المصرية للدول الأفريقية، فلا نستطيع مثلا أن نصدر
ثلاجات مصرية إلى الولايات المتحدة وأوربا، ولكن يمكن تصديرها إلى إفريقيا،
ويجب أن يكون ذلك تحت رقابة لضمان الجودة وعدم إغراق هذه الدول بمنتجات
غير عالية الجودة.

• وبالنسبة للدور الإيرانى فى أفريقيا؟
-
الدور الإيرانى نشط، يستخدم الأقليات الشيعية، ينفق أموالا فى رأيى مبالغ
فيها لا تعطى له العائد الذى يستحقه، يلقى معارضة من الدول الغربية وبعض
الدول الأفريقية نفسها، ولكنه مستمر ونشأ كمنافس للدور العراقى أيام صدام
حسين، يحاول أن يستغل الناحية الدينية فى جذب عدد من المسلمين الأفارقة
الذين يتجهون نحو مصر أصلا لأن أغلبيتهم سنة وكثير منهم درس فى الأزهر
الشريف، ولذا يجب دعم الأزهر الشريف ودور الكنيسة المصرية التى لها تواجد
لا بأس به فى أفريقيا باعتبارها كنيسة افريقية.

• كيف تفسر الاستثمارات الخليجية فى الدول الأفريقية؟
-
الدول العربية فى احتياج إلى مواد غذائية تستورد غالبيتها من الخارج، فى
ظل ارتفاع فى أسعار المواد الغذائية، ولذا أفضل مكان للاستثمار هو المناطق
الزراعية فى أفريقيا لأنها قريبة من دول الخليج، وكان هناك علاقات قديمة
جدا بين الجزيرة العربية ودول شرق أفريقيا وإلى حد ما بعض الدول الأخرى،
فتحاول الدول العربية أن تستثمر ذلك التاريخ، غلى جانب أن هناك الكثير من
الأفارقة الذين يعيشون فى السعودية ودول الخليج الأخرى ويعملون هناك، فمن
صالحها أن تستثمر تلك العلاقات ويجب أن نرحب بالنشاط الخليجى فى أفريقيا.

• هل يمكن أن يساعد هذا النشاط على حل أزمة مياه النيل؟
-
قد يساعد النشاط الخليجى على حل أزمة النيل ولكن يجب ألا نعول عليه كثيرا
لأن كل دولة لها مصالحها الخاصة، كما أن لمصر مصالحها الخاصة فى التعاون مع
كل الدول الأفريقية فرادى أو مجتمعين.

• وبماذا تبرر عدم تدخل الدول الخليجية أو العربية فى حل أزمة النيل حتى الآن؟
- لم تطلب مصر من الدول العربية التدخل فى أزمة مياه النيل، وهم لا يستطيعون أن يتطوعوا للقيام بعمل لم تطلب مصر منهم القيام به.

• كيف تؤثر ثورة 25 يناير على الراى العام الأفريقى، وقيام ثورات مماثلة لها؟
-
ثورة 25 يناير كانت نموذجية لها تأثير ليس فقط فى مصر والعالم العربى، بل
امتد إلى الدول الأفريقية الأخرى، وحدث حتى فى الجنوب الأفريقى فى مملكة
سوازيلاند، فى جمهورية بوتسوانا، فى نيجيريا، فيجب ألا نقلل من تأثير
ثورتنا، ولكن يجب أن نعمل على النجاح الاقتصادى لثورة 25 يناير، إذا انشغلت
هذه الثورة فقط بالعمليات السياسية، فلن يكون لها التأثير الذى ترجوه مصر.